مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٤٠٢
ثم قال تعالى : جَنَّاتِ عَدْنٍ وهو بدل من قوله : لَحُسْنَ مَآبٍ ثم قال : مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في تأويل هذا اللفظ وجوها الأول : قال الفراء : معناه مفتحة لهم أبوابها، والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة، تقول العرب : مررت برجل حسن الوجه، فالألف واللام في الوجه بدل من الإضافة والثاني : قال الزجاج : المعنى : مفتحة لهم الأبواب منها الثالث : قال صاحب «الكشاف» الْأَبْوابُ بدل من الضمير، وتقديره مفتحة / هي الأبواب، كقولك ضرب زيد اليد والرجل، وهو من بدل الاشتمال.
المسألة الثانية : قرئ : جنات عدن مفتحة بالرفع على تقدير أن يكون قوله : جنات عدن مبتدأ ومفتحة خبره، وكلاهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو جنات عدن مفتحة لهم.
المسألة الثالثة : اعلم أنه تعالى وصف من أحوال أهل الجنة في هذه الآية أشياء الأول : أحوال مساكنهم، فقوله : جَنَّاتِ عَدْنٍ يدل على أمرين أحدهما : كونها جنات وبساتين والثاني : كونها دائمة آمنة من الانقضاء.
وفي قوله : مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ وجوه الأول : أن يكون المعنى أن الملائكة الموكلين بالجنان إذا رأوا صاحب الجنة فتحوا له أبوابها وحيوه بالسلام، فيدخل كذلك محفوفا بالملائكة على أعز حال وأجمل هيئة، قال تعالى : حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ [الزمر :
٧٣]. الثاني : أن تلك الأبواب كلما أرادوا انفتاحها انفتحت لهم، وكلما أرادوا انغلاقها انغلقت لهم الثالث :
المراد من هذا الفتح، وصف تلك المساكن بالسعة، ومسافرة العيون فيها، ومشاهدة الأحوال اللذيذة الطيبة.
ثم قال تعالى : مُتَّكِئِينَ فِيها يدعون فيها، وفيه مباحث :
البحث الأول : أنه تعالى ذكر في هذه الآية كونهم متكئين في الجنة، وذكر في سائر الآيات كيفية ذلك الاتكاء، فقال في آية : عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [يس : ٥٦] وقال في آية أخرى : مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ [الرحمن : ٧٦].
البحث الثاني : قوله : مُتَّكِئِينَ فِيها حال قدمت على العامل فيها وهو قوله : يَدْعُونَ فِيها والمعنى يدعون في الجنات متكئين فيها ثم قال : بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ والمعنى بألوان الفاكهة وألوان الشراب، والتقدير بفاكهة كثيرة وشراب كثير، والسبب في ذكر هذا المعنى أن ديار العرب حارة قليلة الفواكه والأشربة، فرغبهم اللّه تعالى فيه.
ولما بين تعالى أمر المسكن وأمر المأكول والمشروب ذكر عقيبه أمر المنكوح، فقال : وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ وقد سبق تفسيره في سورة والصافات، وبالجملة فالمعنى كونهن قاصرات الطرف عن غيرهم مقصورات القلب على محبتهم، وقوله : أَتْرابٌ أي على سن واحد، ويحتمل كون الجواري أترابا، ويحتمل كونهن أترابا للأزواج، قال القفال : والسبب في اعتبار هذه الصفة، أنهن لما تشابهن في الصفة والسن والحلية كان الميل إليهن على السوية، وذلك يقتضي عدم الغيرة.
ثم قال تعالى : هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ يعني أن اللّه تعالى وعد المتقين بالثواب الموصوف بهذه


الصفحة التالية
Icon