مفاتيح الغيب، ج ٢٦، ص : ٤٤٥
وأما الثاني : فهو التكاليف الحاصلة في أعمال الجوارح وهو المسمى بعلم الفقه والقرآن مشتمل على جملة أصول هذا العلم على أكمل الوجوه.
وأما القسم الخامس : وهو معرفة أسماء اللّه تعالى فهو مذكور في قوله تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف : ١٨٠] فهذا كله يتعلق بمعرفة اللّه.
وأما القسم الثاني : من الأصول المعتبرة في الإيمان الإقرار بالملائكة كما قال تعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ [البقرة : ٢٨٥] والقرآن يشتمل على شرح صفاتهم تارة على سبيل الإجمال وأخرى على طريق التفصيل، أما بالإجمال فقوله : وَمَلائِكَتِهِ وأما بالتفصيل فمنها ما يدل على كونهم رسل اللّه قال تعالى :
جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر : ١] ومنها أنها مدبرات لهذا العالم، قال تعالى : فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً [الذاريات : ٤] فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات : ٥] وقال تعالى : وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات : ١] ومنها حملة العرش قال : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة : ١٧] ومنها الحافون حول العرش قال :
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر : ٧٥] ومنها خزنة النار قال تعالى : عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ [التحريم : ٦] ومنها الكرام الكاتبون قال : وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ [الإنفطار : ١٠، ١١] ومنها المعقبات قال تعالى : لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ [الرعد : ١١] وقد يتصل بأحوال الملائكة أحوال الجن والشياطين.
وأما القسم الثالث : من الأصول المعتبرة في الإيمان معرفة الكتب والقرآن يشتمل على شرح أحوال كتاب آدم عليه السلام قال تعالى : فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ [البقرة : ٣٧] ومنها أحوال صحف إبراهيم عليه السلام قال تعالى : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة : ١٢٤] ومنها أحوال التوراة والإنجيل والزبور.
وأما القسم الرابع : من الأصول المعتبرة في الإيمان معرفة الرسل واللّه تعالى قد شرح أحوال البعض وأبهم أحوال الباقين قال : مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر : ٧٨].
القسم الخامس : ما يتعلق بأحوال المكلفين وهي على نوعين الأول : أن يقروا بوجوب هذه التكاليف عليهم وهو المراد من قوله : وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا، الثاني : أن يعترفوا بصدور التقصير عنهم في تلك الأعمال ثم طلبوا المغفرة وهو المراد من قوله : غُفْرانَكَ رَبَّنا ثم لما كانت مقادير رؤية التقصير في مواقف العبودية بحسب المكاشفات في مطالعة عزة الربوبية أكثر، كانت المكاشفات في تقصير العبودية أكثر وكان قوله : غُفْرانَكَ رَبَّنا أكثر.
القسم السادس : معرفة المعاد والبعث والقيامة وهو المراد من قوله : وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة : ٢٨٥] وهذا هو الإشارة إلى معرفة المطالب المهمة في طلب الدين، والقرآن بحر لا نهاية له في تقرير هذه المطالب وتعريفها وشرحها ولا ترى في مشارق الأرض ومغاربها كتابا يشتمل على جملة هذه العلوم كما يشتمل القرآن عليها. ومن تأمل في هذا التفسير علم أنا لم نذكر من بحار فضائل القرآن إلا قطرة، ولما كان الأمر على هذه الجملة، لا جرم مدح اللّه عز وجل القرآن فقال تعالى : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon