مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٤٩٤
أنفسكم وفي تفسير مقتهم أنفسهم وجوه الأول : أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا الثاني : أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين دعوهم إلى الكفر في الدنيا، والرؤساء أيضا يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضا بأنهم مقتوا أنفسهم، كما أنه تعالى قال : فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [البقرة : ٥٤] والمراد قتل بعضهم بعضا الثالث : قال محمد بن كعب إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلى قوله وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم : ٢٢] ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم، واعلم أنه لا نزاع أن مقتهم أنفسهم إنما يحصل في يوم القيامة، أما مقت اللّه لهم ففيه وجهان الأول : أنه حاصل في الآخرة، والمعنى لمقت اللّه لكم في هذا الوقت «١» أشد من مقتكم أنفسكم في هذا الوقت والثاني : وعليه الأكثرون أن التقدير لمقت اللّه لكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، أكبر من مقتكم أنفسكم الآن ففي تفسير الألفاظ المذكورة في الآية أوجه الأول : أن الذين ينادونهم ويذكرون لهم هذا الكلام هم خزنة جهنم الثاني : المقت أشد البغض وذلك في حق اللّه تعالى محال، فالمراد منه أبلغ الإنكار والزجر الثالث : قال الفرّاء يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ معناه إنهم ينادون إن مقت اللّه / أكبر يقال ناديت إن زيدا قائم وإن زيدا لقائم الرابع : قوله إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فيه حذف والتقدير لمقت اللّه لكم إذ تدعون إلى الإيمان فتأتون بالكفر أكبر من مقتكم الآن أنفسكم.
ثم إنه تعالى بيّن أن الكفار إذا خاطبوا بهذا الخطاب قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ إلى آخر الآية، والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسدا باطلا تمنوا الرجوع إلى الدنيا لكي يشتغلوا عند الرجوع إليها بالأعمال الصالحة، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : احتج أكثر العلماء بهذه الآية في إثبات عذاب القبر، وتقرير الدليل أنهم أثبتوا لأنفسهم موتتين حيث قالوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ فأحد الموتتين مشاهد في الدنيا فلا بد من إثبات حياة أخرى في القبر حتى يصير الموت الذي يحصل عقيبها موتا ثانيا، وذلك يدل على حصول حياة في القبر، فإن قيل قال كثير من المفسرين الموتة الأولى إشارة إلى الحالة الحاصلة عند كون الإنسان نطفة وعلقة والموتة الثانية إشارة إلى ما حصل في الدنيا، فلم لا يجوز أن يكون الأمر كذلك، والذي يدل على أن الأمر ما ذكرناه قوله تعالى : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [البقرة : ٢٨] والمراد من قوله وَكُنْتُمْ أَمْواتاً الحالة الحاصلة عند كونه نطفة وعلقة وتحقيق الكلام أن الإماتة تستعمل بمعنيين أحدهما : إيجاد الشيء ميتا والثاني : تصيير الشيء ميتا بعد أن كان حيا كقولك وسع الخياط ربي، يحتمل أنه خاطه واسعا ويحتمل أنه صيره واسعا بعد أن كان ضيقا، فلم لا يجوز في هذه الآية أن يكون المراد بالإماتة خلقها ميتة، ولا يكون المراد تصييرها ميتة بعد أن كانت حية.
السؤال الثاني : أن هذا كلام الكفار فلا يكون حجة.
السؤال الثالث : أن هذه الآية تدل على المنع من حصول الحياة في القبر، وبيانه أنه لو كان الأمر كذلك لكان قد حصلت الحياة ثلاث مرات أولها : في الدنيا، وثانيها : في القبر، وثالثها : في القيامة، والمذكور في