مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٤٩٦
مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ
[الزمر : ٦٨] الرابع : لو لم تثبت الحياة في القبر لزم أن لا يحصل الموت إلا مرة واحدة فكان إثبات الموت مرتين كذبا وهو على خلاف لفظ القرآن، أما لو أثبتنا الحياة في القبر لزمنا إثبات الحياة ثلاث مرات والمذكور في القرآن مرتين، أما المرة الثالثة فليس في اللفظ ما يدل على ثبوتها أو عدمها، فثبت أن نفي حياة القبر يقتضي ترك ما دل اللفظ عليه، فاما إثبات حياة القبر فإنه يقتضي إثبات شيء زائد / على ما دل عليه اللفظ مع أن اللفظ لا إشعار فيه بثبوته ولا بعدمه فكان هذا أولى، وأما ما ذكروه في المعارضة الأولى فنقول قوله يَحْذَرُ الْآخِرَةَ [الزمر : ٩] تدخل فيه الحياة الآخرة سواء كانت في القبر أو في القيامة، وأما المعارضة الثانية فجوابها أنا نرجح قولنا بالأحاديث الصحيحة الواردة في عذاب القبر.
وأما الوجهان العقليان فمدفوعان، لأنا إذا قلنا إن الإنسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بل هو عبارة عن جسم نوراني سار في هذا البدن كانت الإشكالات التي ذكرتموها غير واردة في هذا الباب واللّه أعلم.
المسألة الثانية : اعلم أنا لما أثبتنا حياة القبر فيكون الحاصل في حق بعضهم أربعة أنواع من الحياة وثلاثة أنواع من الموت، والدليل عليه قوله تعالى في سورة البقرة : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ [البقرة : ٢٤٣] فهؤلاء أربعة مراتب في الحياة، حياتان في الدنيا، وحياة في القبر، وحياة رابعة في القيامة.
المسألة الثالثة : قوله اثْنَتَيْنِ نعت لمصدر محذوف والتقدير إماتتين اثنتين، ثم حكى اللّه عنهم أنهم قالوا فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فإن قيل الفاء في قوله فَاعْتَرَفْنا تقتضي أن تكون الإماتة مرتين والإحياء مرتين سببا لهذا الاعتراف فبينوا هذه السببية، قلنا لأنهم كانوا منكرين للبعث فلما شاهدوا الإحياء بعد الإماتة مرتين لم يبق لهم عذر في الإقرار بالبعث، فلا جرم وقع هذا الإقرار كالمسبب عن ذلك الإحياء وتلك الإماتة، ثم قال : فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ أي هل إلى نوع من الخروج سريع أو بطيء من سبيل، أم اليأس وقع فلا خروج، ولا سبيل إليه؟ وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط، واعلم أن الجواب الصريح عنه أن يقال لا أو نعم وهو تعالى لم يفعل ذلك بل ذكر كلاما يدل على أنه لا سبيل لهم إلى الخروج فقال : ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا أي ذلكم الذي أنتم فيه، وهو أن لا سبيل لكم إلى خروج قط، إنما وقع بسبب كفركم بتوحيد اللّه تعالى، وإيمانكم بالإشراك به فَالْحُكْمُ لِلَّهِ حيث حكم عليكم بالعذاب السرمدي، وقوله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ دلالة على الكبرياء والعظمة، وعلى أن عقابه لا يكون إلا كذلك، والمشبهة استدلوا بقوله تعالى : الْعَلِيِّ على العلو الأعلى في الجهة، وبقوله الْكَبِيرِ على كبر الجثة والذات، وكل ذلك باطل، لأنا دللنا على أن الجسمية والمكان محالان في حق اللّه تعالى، فوجب أن يكون المراد من الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ العلو والكبرياء بحسب القدرة والإلهية.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٣ إلى ١٤]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤)
اعلم أنه تعالى لما ذكر ما يوجب التهديد الشديد في حق المشركين أردفه بذكر ما يدل على كمال قدرته وحكمته، ليصير ذلك دليلا على أنه لا يجوز جعل هذه الأحجار المنحوتة والخشب المصورة شركاء للّه تعالى


الصفحة التالية
Icon