مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥١٢
لم يقدر عليه لما حصل المدح بترك / الظلم، وهذا الاستدلال قد ذكرناه مرارا في هذا الكتاب مع الجواب، فلا فائدة في الإعادة.
النوع الثالث : من كلمات هذا المؤمن قوله وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : التنادي تفاعل من النداء، يقال تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا، والأصل الياء وحذف الياء حسن في الفواصل، وذكرنا ذلك في يَوْمَ التَّلاقِ [غافر : ١٥] وأجمع المفسرون على أن يَوْمَ التَّنادِ يوم القيامة، وفي سبب تسمية ذلك اليوم بذلك الاسم وجوه الأول : أن أهل النار ينادون أهل الجنة، وأهل الجنة ينادون أهل النار، كما ذكر اللّه عنهم في سورة الأعراف وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ [الأعراف : ٥٠]، وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ [الأعراف : ٤٤] الثاني : قال الزجاج : لا يبعد أن يكون السبب فيه قوله تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء : ٧١]، الثالث : أنه ينادي بعض الظالمين بعضا بالويل والثبور فيقولون يا وَيْلَنا، [الأنبياء : ١٤]، الرابع : ينادون إلى المحشر، أي يدعون الخامس : ينادي المؤمن هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ [الحاقة : ١٩] والكافر يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ [الحاقة : ٢٥]، السادس : ينادى باللعنة على الظالمين السابع : يجاء بالموت على صورة كبش أملح، ثم يذبح وينادى يا أهل القيامة لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحا على فرحهم، وأهل النار حزنا على حزنهم الثامن : قال أبو علي الفارسي : التنادي مشتق من التناد، من قولهم ند فلان إذا هرب، وهو قراءة ابن عباس وفسرها، فقال يندون كما تند الإبل، ويدل على صحة هذه القراءة قوله تعالى : يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس : ٣٤] الآية.
وقوله تعالى بعد هذه الآية يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ لأنهم إذا سمعوا زفير النار يندون هاربين، فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه.
المسألة الثانية : انتصب قوله يَوْمَ التَّنادِ لوجهين أحدهما : الظرف للخوف، كأنه خاف عليهم في ذلك اليوم، لما يلحقهم من العذاب إن لم يؤمنوا والآخر أن يكون التقدير إني أخاف عليكم- عذاب- يوم التناد وإذا كان كذلك كان انتصاب يوم انتصاب المفعول به، لا انتصاب الظرف، لأن إعرابه إعراب المضاف المحذوف، ثم قال : يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ وهو بدل من قوله يَوْمَ التَّنادِ عن قتادة : منصرفين عن موقف يوم الحساب إلى النار، وعن مجاهد : فارين عن النار غير معجزين، ثم أكد التهديد فقال : ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ ثم نبه على قوة ضلالتهم وشدة جهالتهم فقال : وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٣٤ إلى ٣٥]
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)
واعلم أن مؤمن آل فرعون لما قال : وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [غافر : ٣٣] ذكر لهذا مثلا، وهو أن يوسف لما جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على الشك والشبهة، ولم ينتفعوا بتلك الدلائل، وهذا يدل على أن من أضله اللّه فما له من هاد وفي الآية مسائل :