مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥١٣
المسألة الأولى : قيل إن يوسف هذا هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام، ونقل صاحب «الكشاف» أنه يوسف بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نيفا وعشرين سنة، وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بقي حيا إلى زمانه وقيل فرعون آخر، والمقصود من الكل شيء واحد وهو أن يوسف جاء قومه بالبينات، وفي المراد بها قولان الأول : أن المراد بالبينات قوله أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف : ٣٩]، والثاني : المراد بها المعجزات، وهذا أولى، ثم إنهم بقوا في نبوته شاكين مرتابين، ولم ينتفعوا ألبتة بتلك البينات، فلما مات قالوا إنه لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا وإنما حكموا بهذا الحكم على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان، بل إنما ذكروا ذلك ليكون ذلك أساسا لهم في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعد ذلك وليس في قولهم لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا لأجل تصديق رسالة يوسف وكيف وقد شكوا فيها وكفروا بها وإنما هو تكذيب لرسالة من هو بعده مضموما إلى تكذيب رسالته، ثم قال : كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ أي مثل هذا الضلال يضل اللّه كل مسرف في عصيانه مرتاب في دينه، قال الكعبي هذه الآية حجة لأهل القدر لأنه تعالى بين كفرهم، ثم بين أنه تعالى إنما أضلهم لكونهم مسرفين مرتابين، فثبت أن العبد ما لم يضل عن الدين، فإن اللّه تعالى لا يضله.
ثم بيّن تعالى ما لأجله بقوا في ذلك الشك والإسراف فقال : الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أي بغير حجة، بل إما بناء على التقليد المجرد، وإما بناء على شبهات خسيسة كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ والمقت هو أن يبلغ المرء في القوم مبلغا عظيما فيمقته اللّه ويبغضه ويظهر خزيه وتعسه.
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في ذمه لهم بأنهم يجادلون بغير سلطان دلالة على أن الجدال بالحجة حسن وحق وفيه إبطال للتقليد.
المسألة الثانية : قال القاضي مقت اللّه إياهم يدل على أن فعلهم ليس بخلق اللّه لأن كونه فاعلا للفعل وماقتا له محال.
المسألة الثالثة : الآية تدل على أنه يجوز وصف اللّه تعالى بأنه قد يمقت بعض عباده إلا أن ذلك صفة واجبة التأويل في حق اللّه كالغضب والحياء والتعجب واللّه أعلم. ثم بيّن أن هذا المقت كما حصل عند اللّه فكذلك قد حصل عند الذين آمنوا.
ثم قال : كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وأبو عمرو وقتيبة عن الكسائي قلب منونا مُتَكَبِّرٍ صفة للقلب والباقون بغير تنوين على إضافة القلب إلى المتكبر قال أبو عبيد الاختيار الإضافة لوجوه الأول : أن عبد اللّه قرأ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ وهو شاهد لهذه القراءة الثاني : أن وصف الإنسان بالتكبر والجبروت أولى من وصف القلب بهما، وأما الذين قرءوا بالتنوين فقالوا إن الكبر قد أضيف إلى القلب في قوله إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ [غافر : ٥٦] وقال تعالى : فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة : ٢٨٣] وأيضا فيمكن أن يكون ذلك على حذف المضاف أي على كل ذي قلب متكبر، وأيضا قال قوم الإنسان الحقيقي هو القلب وهذا البحث طويل وقد ذكرناه في تفسير