مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٣٣
قالوا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً أي تبيّن لهم أنهم لم يكونوا شيئا، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئا، كما تقول حسبت أن فلانا شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا جربته فلم تجد عنده خيرا، ويجوز أيضا أن يقال إنهم كذبوا وأنكروا أنهم عبدوا غير اللّه، كما أخبر اللّه / تعالى عنهم في سورة الأنعام أنهم قالوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام : ٢٣] ثم قال تعالى : كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ قال القاضي : معناه أنه يضلهم عن طريق الجنة، إذ لا يجوز أن يقال يضلهم عن الحجة إذ قد هداهم في الدنيا إليها، وقال صاحب «الكشاف» كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم، حتى أنهم لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر، ثم قال : ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ أي ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق، وهو الشرك وعبادة الأصنام ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ السبعة المقسومة لكم، قال اللّه تعالى :
لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ، لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [الحجر : ٤٤]، خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ والمراد منه ما قال في الآية المتقدمة في صفة هؤلاء المجادلين إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ [غافر : ٥٦].
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٧٧ إلى ٧٨]
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨)
اعلم أنه تعالى لما تكلم من أول السورة إلى هذا الموضع في تزييف طريقة المجادلين في آيات اللّه، أمر في هذه الآية رسوله بأن يصبر على إيذائهم وإيحاشهم بتلك المجادلات، ثم قال : إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وعنى به ما وعد به الرسول من نصرته، ومن إنزال العذاب على أعدائه، ثم قال : فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ يعني أولئك الكفار من أنواع العذاب، مثل القتل يوم بدر، فذلك هو المطلوب أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل إنزال العذاب عليهم فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ يوم القيامة فننتقم منهم أشد الانتقام، ونظيره قوله تعالى : فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ [الزخرف : ٤١، ٤٢].
ثم قال تعالى : وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ والمعنى أنه قال لمحمد صلى اللّه عليه وسلّم : أنت كالرسل من قبلك، وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين، وليس فيهم أحد أعطاه اللّه آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه فيها وكذبوه فيها وجرى عليهم من الهم ما يقارب ما جرى عليك فصبروا، وكانوا أبدا يقترحون على الأنبياء إظهار المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل العناد والتعنت، ثم إن اللّه تعالى لما علم أن الصلاح / في إظهار ما أظهره، وإلا لم يظهره ولم يكن ذلك قادحا في نبوتهم، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحا، لا جرم ما أظهرناها، وهذا هو المراد من قوله وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ثم قال : فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وهذا وعيد ورد عقيب اقتراح الآيات وأَمْرُ اللَّهِ القيامة والْمُبْطِلُونَ هم المعاندون الذين يجادلون في آيات اللّه، ويقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة على سبيل التعنت.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٧٩ إلى ٨١]
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (٨١)