مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٤٥
إليه من الخيرات والنوع الثالث : قوله تعالى : وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها وفيه أقوال الأول : أن المعنى وقدر فيها أقوات أهلها ومعايشهم وما يصلحهم، قال محمد بن كعب : قدر أقوات الأبدان قبل أن يخلق الأبدان والقول الثاني : قال مجاهد : وقدر فيها أقواتها من المطر، وعلى هذا القول فالأقوات للأرض لا للسكان، والمعنى أن اللّه تعالى قدر لكل أرض حظها من المطر والقول / الثالث : أن المراد من إضافة الأقوات إلى الأرض كونها متولدة من تلك الأرض، وحادثة فيها لأن النحويين قالوا يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب فالشيء قد يضاف إلى فاعله تارة وإلى محله أخرى، فقوله وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها أي قدر الأقوات التي يختص حدوثها بها، وذلك لأنه تعالى جعل كل بلدة معدنا لنوع آخر من الأشياء المطلوبة، حتى أن أهل هذه البلدة يحتاجون إلى الأشياء المتولدة في تلك البلدة وبالعكس، فصار هذا المعنى سببا لرغبة الناس في التجارات من اكتساب الأموال، ورأيت من كان يقول صنعة الزراعة والحراثة أكثر الحرف والصنائع بركة، لأن اللّه تعالى وضع الأرزاق والأقوات في الأرض قال : وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها وإذا كانت الأقوات موضوعة في الأرض كان طلبها من الأرض متعينا، ولما ذكر اللّه سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التدبير قال بعده : فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : أنه تعالى ذكر أنه خلق الأرض في يومين، وذكر أنه أصلح هذه الأنواع الثلاثة في أربعة أيام أخر، وذكر أنه خلق السموات في يومين، فيكون المجموع ثمانية أيام، لكنه ذكر في سائر الآيات أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام فلزم التناقض، واعلم أن العلماء أجابوا عنه بأن قالوا المراد من قوله وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مع اليومين الأولين، وهذا كقول القائل سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وسرت إلى الكوفة في خمسة عشر يوما يريد كلا المسافتين، ويقول الرجل للرجل أعطيتك ألفا في شهر وألوفا في شهرين فيدخل الألف في الألوف والشهر في الشهرين.
السؤال الثاني : أنه لما ذكر أنه خلق الأرض في يومين، فلو ذكر أنه خلق هذه الأنواع الثلاثة الباقية في يومين آخرين كان أبعد عن الشبهة وأبعد عن الغلط، فلم ترك هذا التصريح، وذكر ذلك الكلام المجمل؟
والجواب : أن قوله فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ فيه فائدة على ما إذا قال خلقت هذه الثلاثة في يومين، وذلك لأنه لو قال خلقت هذه الأشياء في يومين لم يفد هذا الكلام كون هذين اليومين مستغرقين بتلك الأعمال لأنه قد يقال عملت هذا العمل في يومين مع أن اليومين ما كانا مستغرقين بذلك العمل، أما لما ذكر خلق الأرض وخلق هذه الأشياء، ثم قال بعده : فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ دل ذلك على أن هذه الأيام الأربعة صارت مستغرقة في تلك الأعمال من غير زيادة ولا نقصان.
السؤال الثالث : كيف القراءات في قوله سَواءً؟ والجواب : قال صاحب «الكشاف» قرئ سَواءً بالحركات الثلاثة الجر على الوصف والنصب على المصدر استوت سواء أي استواء والرفع على هي سواء.
السؤال الرابع : ما المراد من كون تلك الأيام الأربعة سواء؟ فنقول إن الأيام قد تكون متساوية المقادير كالأيام الموجودة في أماكن خط الاستواء وقد تكون مختلفة كالأيام / الموجودة في سائر الأماكن، فبيّن تعالى أن تلك الأيام الأربعة كانت متساوية غير مختلفة.
السؤال الخامس : بم يتعلق قوله لِلسَّائِلِينَ؟ الجواب فيه وجهان : الأول : أن الزجاج قال قوله فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أي في تتمة أربعة أيام، إذا عرفت هذا فالتقدير وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها في تتمة أربعة أيام لأجل.


الصفحة التالية
Icon