مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٥٧٩
لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ
فكيف يكونون لاعنين ومستغفرين لهم؟، قلنا الجواب : عنه من وجوه :
الأول : أن قوله لِمَنْ فِي الْأَرْضِ لا يفيد العموم، لأنه يصح أن يقال إنهم استغفروا لكل من في الأرض وأن يقال إنهم استغفروا لبعض من في الأرض دون البعض، ولو كان قوله لِمَنْ فِي الْأَرْضِ صريحا في العموم لما صح ذلك التقسيم الثاني : هب أن هذا النص يفيد العموم إلا أنه تعالى حكى عن الملائكة في سورة حم المؤمن فقال : وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ [غافر : ٧] الثالث : يجوز أن يكون المراد من الاستغفار أن لا يعاجلهم بالعقاب كما في قوله تعالى :
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا
إلى أن قال : إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً [فاطر : ٤١] الرابع : يجوز أن يقال إنهم يستغفرون لكل من في الأرض، أما في حق الكفار فبواسطة طلب الإيمان لهم، وأما في حق المؤمنين فبالتجاوز عن سيئاتهم، فإنا / نقول اللّهم اهد الكافرين وزين قلوبهم بنور الإيمان وأزل عن خواطرهم وحشة الكفر، وهذا في الحقيقة استغفار.
واعلم أن قوله وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ يدل على أنهم لا يستغفرون لأنفسهم، ولو كانوا مصرين على المعصية لكان استغفارهم لأنفسهم قبل استغفارهم لمن في الأرض، وحيث لم يذكر اللّه عنهم استغفارهم لأنفسهم علمنا أنهم مبرءون عن كل الذنوب والأنبياء عليهم السلام لهم ذنوب والذي لا ذنب له ألبتة أفضل ممن له ذنب وأيضا فقوله وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ يدل على أنهم يستغفرون للأنبياء لأن الأنبياء في جملة من في الأرض، وإذا كانوا مستغفرين للأنبياء عليهم السلام كان الظاهر أنهم أفضل منهم.
ولما حكى اللّه تعالى عن الملائكة التسبيح والتحميد والاستغفار قال : أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ والمقصود التنبيه على أن الملائكة وإن كانوا يستغفرون للبشر إلا أن المغفرة المطلقة والرحمة المطلقة للحق سبحانه وتعالى وبيانه من وجوه الأول : أن إقدام الملائكة على طلب المغفرة للبشر من اللّه تعالى إنما كان لأن اللّه تعالى خلق في قلوبهم داعية لطلب تلك المغفرة، ولولا أن اللّه تعالى خلق في قلوبهم تلك الدواعي وإلا لما أقدموا على ذلك الطلب وإذا كان كذلك كان الغفور المطلق والرحيم المطلق هو اللّه سبحانه وتعالى الثاني : أن الملائكة قالوا في أول الأمر أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة : ٣٠] ثم في آخر الأمر صاروا يستغفرون لمن في الأرض، وأما رحمة الحق وإحسانه فقد كان موجودا في الأولى والآخر فثبت أن الغفور المطلق والرحيم المطلق هو اللّه تعالى الثالث : أنه تعالى حكى عنهم أنهم يستغفرون لمن في الأرض ولم يحك عنهم أنهم يطلبون الرحمة لمن في الأرض فقال : أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ يعني أنه يعطي المغفرة التي طلبوها ويضم إليها الرحمة الكاملة التامة.
ثم قال تعالى : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ أي جعلوا له شركاء وأندادا اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أي رقيب على أحوالهم وأعمالهم، لا يفوته منها شيء وهو محاسبهم عليها لا رقيب عليهم إلا هو وحده وما أنت يا محمد بمفوض إليك أمرهم ولا قسرهم على الإيمان، إنما أنت منذر فحسب.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٧ إلى ١٢]
وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)
لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢)


الصفحة التالية
Icon