مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٣٦
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من إعادة قصة موسى عليه السلام وفرعون في هذا المقام تقرير الكلام الذي تقدم، وذلك لأن كفار قريش طعنوا في نبوة محمد صلى اللّه عليه وسلّم بسبب كونه فقيرا عديم المال والجاه، فبيّن اللّه تعالى أن موسى عليه السلام بعد أن أورد المعجزات القاهرة الباهرة التي لا يشك في صحتها عاقل أورد فرعون عليه هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال : إني غني كثير المال والجاه، ألا ترون أنه حصل لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي، وأما موسى فإنه فقير مهين وليس له بيان ولسان، والرجل الفقير كيف يكون رسولا من عند اللّه إلى الملك الكبير الغني، فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفار مكة وهي قولهم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف : ٣١] وقد أوردها بعينها فرعون على موسى، ثم إنا انتقمنا منهم فأغرقناهم، والمقصود من إيراد هذه القصة تقرير أمرين أحدهما : أن الكفار والجهال أبدا يحتجون على الأنبياء بهذه الشبهة الركيكة فلا يبالي بها ولا يلتفت إليها والثاني : أن فرعون على غاية كمال حاله في الدنيا صار مقهورا باطلا، فيكون الأمر في حق أعدائك هكذا، فثبت أنه ليس المقصود من إعادة هذه القصة عين هذه القصة، بل المقصود تقرير الجواب عن الشبهة المذكورة، وعلى هذا فلا يكون هذا تقريرا للقصة ألبتة وهذا من نفائس الأبحاث واللّه أعلم.
المسألة الثانية : في تفسير الألفاظ ذكر تعالى أنه أرسل موسى بآياته وهي المعجزات التي كانت مع موسى عليه السلام إلى فرعون وملائه أي قومه، فقال موسى إني رسول ربّ العالمين، فلما جاءهم بتلك الآيات إذا هم منها يضحكون، قيل إنه لما ألقى عصاه صار ثعبانا، ثم أخذ فعاد عصا كما كان ضحكوا، ولم عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا، فإن قيل كيف جاز أن يجاب عن لما بإذا الذي يفيد المفاجأة؟ قلنا لأن فعل المفاجأة معها مقدر كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجأوا وقت ضحكهم.
ثم قال : وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها فإن قيل ظاهر اللفظ يقتضي كون كل واحد منها أفضل من التالي وذلك محال، قلنا إذا أريد المبالغة في كون كل واحد من تلك الأشياء بالغا إلى أقصى الدرجات في الفضيلة، فقد يذكر هذا الكلام بمعنى أنه لا يبعد في أناس ينظرون إليها أن يقول هذا إن هذا أفضل من الثاني، وأن يقول الثاني لا بل الثاني أفضل، وأن يقول الثالث لا بل الثالث أفضل، وحينئذ يصير كل واحد من تلك الأشياء مقولا فيه إنه أفضل من غيره.
ثم قال تعالى : وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي عن الكفر إلى الإيمان، قالت المعتزلة هذا يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل وأنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا من الكفر إلى الإيمان، قال المفسرون ومعنى قوله وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ أي بالأشياء التي سلطها عليها كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس.