مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٣٨
الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
[الزخرف : ٣١] ثم قال : أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ يجوز أن يكون المراد مقرنين به، من قولك قرنته به فاقترن وأن يكون من قولهم اقترنوا بمعنى تقارنوا، قال الزجاج معناه يمشون معه فيدلون على صحة نبوته.
ثم قال تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ أي طلب منهم الخفة في الإتيان بما كان يأمرهم به فأطاعوه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ حيث أطاعوا ذلك الجاهل الفاسق فَلَمَّا آسَفُونا أغضبونا، حكي أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له أتغضب يا أبا خالد؟ فقال قد غضب الذي خلق الأحلام إن اللّه يقول فَلَمَّا آسَفُونا أي أغضبونا.
ثم قال تعالى : انْتَقَمْنا مِنْهُمْ واعلم أن ذكر لفظ الأسف في حق اللّه تعالى محال وذكر لفظ الانتقام وكل واحد منهما من المتشابهات التي يجب أن يصار فيها إلى التأويل، ومعنى الغضب في حق اللّه إرادة العقاب، ومعنى الانتقام إرادة العقاب لجرم سابق.
ثم قال تعالى : فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا السلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض فهو سلف والسلف أيضا من تقدم من آبائك وأقاربك واحدهم سالف، ومنه قول طفيل يرثي قومه :
مضوا سلفا قصد السبيل عليهم وصرف المنايا بالرجال تقلب
فعلى هذا قال الفراء والزجاج يقول : جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون، أي جعلناهم سلفا لكفار أمة محمد عليه السلام. وأكثر القراء قرءوا بالفتح وهو جمع سالف كما ذكرناه، وقرأ حمزة والكسائي سَلَفاً بالضم وهو جمع سلف، قال الليث : يقال سلف بضم اللام يسلف سلوفا فهو سلف أي متقدم، وقوله وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ يريد عظة لمن بقي بعدهم وآية وعبرة، قال أبو علي الفارسي المثل واحد يراد به الجمع، ومن ثم عطف على سلف، والدليل على وقوعه على أكثر من واحد قوله تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ [النحل : ٧٥] فأدخل تحت المثل شيئين واللّه أعلم.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٥٧ إلى ٦٢]
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)
وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى ذكر أنواعا كثيرة من كفرياتهم في هذه السورة وأجاب عنها بالوجوه الكثيرة فأولها : قوله تعالى : وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً [الزخرف : ١٥] وثانيها : قوله تعالى : وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف : ١٩] وثالثها : قوله وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ


الصفحة التالية
Icon