مفاتيح الغيب، ج ٢٧، ص : ٦٦٦
فردا فزوجته بآخر كما يقال شفعته بآخر، وأما الحور، فقال الواحدي أصل الحور البياض والتحوير التبييض، وقد ذكرنا ذلك في تفسير الحواريين، وعين حوراء إذا اشتد بياض بياضها واشتد سواد سوادها، ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون حور عينيها بياضا في لون الجسد، والدليل على أن المراد بالحور في هذه الآية البيض قراءة ابن مسعود بعيس عين والعيس البيض، وأما العين فجمع عيناء وهي التي تكون عظيمة العينين من النساء، فقال الجبائي رجل أعين إذا كان ضخم العين واسعها والأنثى عيناء والجمع عين، ثم اختلفوا في هؤلاء الحور العين، فقال الحسن هن عجائزكم الدرد ينشئهن اللّه خلقا آخر، وقال أبو هريرة إنهن ليسوا من نساء الدنيا.
والنوع الخامس : من تنعمات أهل الجنة المأكول فقال : يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ / قالوا إنهم يأكلون جميع أنواع الفاكهة لأجل أنهم آمنون من التخم والأمراض.
ولما وصف اللّه تعالى أنواع ما هم فيه من الخيرات والراحات، بين أن حياتهم دائمة، فقال : لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وفيه سؤالان :
السؤال الأول : أنهم ما ذاقوا الموتة الأولى في الجنة فكيف حسن هذا الاستثناء؟ وأجيب عنه من وجوه الأول : قال صاحب «الكشاف» : أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت ألبتة فوضع قوله إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل إن كانت الموتة الأولى يمكن ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها الثاني : أن إلا بمعنى لكن والتقدير لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى قد ذاقوها والثالث : أن الجنة حقيقتها ابتهاج النفس وفرحها بمعرفة اللّه تعالى وبطاعته ومحبته، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإنسان الذي فاز بهذه السعادة فهو في الدنيا في الجنة وفي الآخرة أيضا في الجنة، وإذا كان الأمر كذلك فقد وقعت الموتة الأولى حين كان الإنسان في الجنة الحقيقية التي هي جنة المعرفة باللّه والمحبة، فذكر هذا الاستثناء كالتنبيه على قولنا إن الجنة الحقيقية هي حصول هذه الحالة لا الدار التي هي دار الأكل والشرب، ولهذا السبب
قال عليه السلام :«أنبياء اللّه لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار»
والرابع : أن من جرب شيئا ووقف عليه صح أن يقال إنه ذاقه، وإذا صح أن يسمى العلم بالذوق صح أن يسمى تذكره أيضا بالذوق فقوله لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى يعني إلا الذوق الحاصل بسبب تذكر الموتة الأولى.
السؤال الثاني : أليس أن أهل النار أيضا لا يموتون فلم بشر أهل الجنة بهذا مع أن أهل النار يشاركونهم فيه؟ والجواب : أن البشارة ما وقعت بدوام الحياة بل بدوام الحياة مع سابقة حصول تلك الخيرات والسعادات فظهر الفرق.
ثم قال تعالى : وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ قرئ ووقاهم بالتشديد، فإن قالوا مقتضى الدليل أن يكون ذكر الوقاية عن عذاب الجحيم متقدما على ذكر الفوز بالجنة لأن الذي وقى عن عذاب الجحيم قد يفوز وقد لا يفوز، فإذا ذكر بعده أنه فاز بالجنة حصلت الفائدة، أما الذي فاز بخيرات الجنة فقد تخلص عن عقاب اللّه لا محالة فلم يكن ذكر الفوز عن عذاب جهنم بعد الفوز بثواب الجنة مفيدا، قلنا التقدير كأنه تعالى قال : ووقاهم في أول الأمر عن عذاب الجحيم.
ثم قال : فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ يعني كل ما وصل إليه المتقون من الخلاص عن النار والفوز بالجنة فإنما


الصفحة التالية
Icon