مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١١٧
الانتظار لقصور نظرهم وفتور فكرهم، وعند فعل الإيمان قال لما يدخل بحرف فيه معنى التوقع لظهور قوة الإيمان، كأنه يكاد يغشي القلوب بأسرها.
ثم إنه تعالى قال : وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ أي لا ينقصكم والمراد أنكم إذا أتيتم بما يليق بضعفكم من الحسنة فهو يؤتيكم ما يليق به من الجزاء، وهذا لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها في السوق درهما، وأعطاه الملك درهما أو دينارا ينسب الملك إلى قلة العطاء بل البخل، فليس معناه أنه يعطي مثل ذلك من غير نقص، بل المعنى يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص. وفيه تحريض على الإيمان الصادق، لأن من أتى بفعل من غير صدق نية يضيع عمله ولا يعطي عليه أجرا فقال : وإن تطيعوا وتصدقوا لا ينقص عليكم، فلا تضيعوا أعمالكم بعدم الإخلاص، وفيه أيضا تسلية لقلوب من تأخر إيمانه، كأنه يقول غيري سبقني وآمن حين كان النبي وحيدا وآواه حين كان ضعيفا، ونحن آمنا عند ما عجزنا عن مقاومته وغلبنا بقوته، فلا يكون لإيماننا وقع ولا لنا عليه أجر، فقال تعالى إن أجركم لا ينقص وما تتوقعون تعطون، غاية ما في الباب أن التقدم يزيد في أجورهم، وماذا عليكم إذا أرضاكم اللّه أن يعطي غيركم من خزائن رحمته / رحمة واسعة، وما حالكم في ذلك إلا حال ملك أعطى واحدا شيئا وقال لغيره ماذا تتمنى؟ فتمنى عليه بلدة واسعة وأموالا فأعطاه ووفاه، ثم زاد ذلك الأول أشياء أخرى من خزائنه فإن تأذى من ذلك يكون بخلا وحسدا، وذلك في الآخرة لا يكون، وفي الدنيا هو من صفة الأراذل، وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي يغفر لكم ما قد سلف ويرحمكم بما أتيتم به. ثم قال تعالى :
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٥]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)
إرشادا للأعراب الذين قالوا آمنا إلى حقيقة الإيمان فقال إن كنتم تريدون الإيمان فالمؤمنون من آمن باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا، يعني أيقنوا بأن الإيمان إيقان، وثم للتراخي في الحكاية، كأنه يقول آمنوا، ثم أقول شيئا آخر لم يرتابوا، ويحتمل أن يقال هو للتراخي في الفعل تقديره آمنوا باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا فيما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم من الحشر والنشر، وقوله تعالى : وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ يحقق ذلك، أي أيقنوا أن بعد هذه الدار دارا فجاهدوا طالبين العقبى، وقوله أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إيمانهم، لا الأعراب الذين قالوا قولا ولم يخلصوا عملا.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٦]
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦)
فإنه عالم به لا يخفى عليه شيء، وفيه إشارة إلى أن الدين ينبغي أن يكون للّه وأنتم أظهرتموه لنا لا للّه، فلا يقبل منكم ذلك.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٧]
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧)
يقرر ذلك ويبين أن إسلامهم لمن يكن للّه، وفيه لطائف الأولى : في قوله تعالى : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ زيادة بيان لقبيح فعلهم،


الصفحة التالية
Icon