مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٢
كان هذا القرآن من عند اللّه كما أقول وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل ما قلت فآمن واستكبرتم ألستم كنتم ظالمين أنفسكم.
ثم قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تهديد وهو قائم مقام الجواب المحذوف والتقدير قل أرأيتم إن كان من عند اللّه ثم كفرتم به فإنكم لا تكونون مهتدين بل تكونون ضالين.
المسألة الثانية : قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أنه تعالى إنما منعهم الهداية بناء على الفعل القبيح الذي صدر منهم أولا، فإن قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ صريح في أنه تعالى لا يهديهم لكونهم ظالمين أنفسهم فوجب أن يعتقدوا في جميع الآيات الواردة في المنع من الإيمان والهداية أن يكون الحال فيها كما هاهنا واللّه أعلم.
ثم قال تعالى : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذه شبهة أخرى للقوم في إنكار نبوّة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وفي سبب نزوله وجوه : الأول : أن هذا كلام كفار مكة قالوا إن عامة من يتبع محمدا الفقراء والأراذل مثل عمار وصهيب وابن مسعود، ولو كان هذا الدين خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء الثاني : قيل لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار، قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم الثالث : قيل إن أمة لعمر أسلمت وكان عمر يضربها حتى يفتر، ويقول لولا أني فترت لزدتك ضربا، فكان كفار قريش يقولون لو كان ما يدعو محمد إليه حقا ما سبقتنا إليه فلانة. الرابع : قيل كان اليهود يقولون هذا الكلام عند إسلام عبد اللّه بن سلّام.
المسألة الثانية : اللام في قوله تعالى : لِلَّذِينَ آمَنُوا ذكروا فيه وجهين : الأول : أن يكون المعنى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا، على وجه الخطاب كما تقول قال زيد لعمرو، ثم تترك الخطاب وتنتقل إلى الغيبة كقوله تعالى : حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يونس : ٢٢] الثاني : قال صاحب «الكشاف» لِلَّذِينَ آمَنُوا لأجلهم يعني أن الكفار قالوا لأجل إيمان الذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه، وعندي فيه وجه الثالث : وهو أن الكفار لما سمعوا أن جماعة آمنوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاطبوا جماعة من المؤمنين الحاضرين، وقالوا لهم لو كان هذا الدين خيرا لما سبقنا إليه أولئك الغائبون الذين أسلموا.
[في قوله تعالى وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ ] واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا الكلام أجاب عنه بقوله وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ والمعنى أنهم لما لم يقفوا على وجه كونه معجزا، فلا بد من عامل في الظرف في قوله وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ومن متعلق لقوله فَسَيَقُولُونَ وغير مستقيم أن يكون فَسَيَقُولُونَ هو العامل في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال، فما وجه هذا الكلام؟ وأجاب عنه بأن العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه، والتقدير وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ظهر عنادهم فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ.
ثم قال تعالى : وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً كتاب موسى مبتدأ، ومن قبله ظرف / واقع خبرا مقدما عليه، وقوله إِماماً نصب على الحال كقولك في الدار زيد قائما، وقرئ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى والتقدير : وآتينا الذي قبله التوراة، ومعنى إِماماً أي قدوة وَرَحْمَةً يؤتم به في دين اللّه وشرائعه، كما يؤتم


الصفحة التالية
Icon