مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٣٥
أي شدته التي تذهب العقول وتذهل الفطن، وقوله بِالْحَقِّ يحتمل وجوها أحدها : أن يكون المراد منه الموت فإنه حق، كأن شدة الموت تحضر الموت والباء حينئذ للتعدية، يقال جاء فلان بكذا أي أحضره، وثانيها : أن يكون المراد من الحق ما أتى به من الدين لأنه حق وهو يظهر عند شدة الموت وما من أحد إلا وهو في تلك الحالة يظهر الإيمان لكنه لا يقبل إلا ممن سبق منه ذلك وآمن بالغيب، ومعنى المجيء به هو أنه يظهره، كما يقال الدين الذي جاء به النبي صلى اللّه عليه وسلم أي أظهره، ولما كانت شدة الموت مظهرة له قيل فيه جاء به، والباء حينئذ يحتمل أن يكون المراد منها ملبسة يقال جئتك بأمل فسيح وقلب خاشع، وقوله ذلِكَ يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت ويحتمل أن يكون إشارة إلى الحق، وحاد عن الطريق أي مال عنه، والخطاب قيل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو منكر، وقيل مع الكافرين وهو أقرب، والأقوى أن يقال هو خطاب عام مع السامع كأنه يقول ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أيها السامع.
[سورة ق (٥٠) : آية ٢٠]
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)
عطف على قوله وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ [ق : ١٩] والمراد منه إما النفخة الأولى فيكون بيانا لما يكون عند مجيء سكرة الموت أو النفخة الثانية وهو أظهر لأن قوله تعالى : ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ بالنفخة الثانية أليق ويكون قوله وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ إشارة إلى الإماتة، وقوله وَنُفِخَ فِي الصُّورِ إشارة إلى الإعادة والإحياء، وقوله تعالى : ذلِكَ ذكر الزمخشري أنه إشارة إلى المصدر الذي من قوله وَنُفِخَ أي وقت ذلك النفخ يوم الوعيد وهو ضعيف لأن يوم لو كان منصوبا لكان ما ذكرنا ظاهرا وأما رفع يوم فيفيد أن ذلك نفس اليوم، والمصدر لا يكون نفس الزمان وإنما يكون في الزمان فالأولى أن يقال ذلك إشارة إلى الزمان المفهوم من قوله وَنُفِخَ لأن الفعل كما يدل على المصدر يدل على الزمان فكأنه تعالى قال ذلك الزمان يوم الوعيد، والوعيد هو الذي أوعد به من الحشر والإيتاء والمجازاة.
[سورة ق (٥٠) : آية ٢١]
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١)
قد بينا من قبل أن السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف ومنه إلى مقعده والشهيد هو الكاتب، والسائق لازم للبر والفاجر أما البر فيساق / إلى الجنة وأما الفاجر فإلى النار، وقال تعالى : وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الزمر : ٧١] وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ [الزمر : ٧٣].
[سورة ق (٥٠) : آية ٢٢]
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)
وقوله تعالى : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا إما على تقدير يقال له أو قيل له لَقَدْ كُنْتَ كما قال تعالى :
وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها [الزمر : ٧٣] وقال تعالى : قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ [الزمر : ٧٢] والخطاب عام أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم وأما المؤمن فإنه يزداد علما ويظهر له ما كان مخفيا عنه ويرى علمه يقينا رأى المعتبر يقينا فيكون بالنسبة إلى تلك الأحوال وشدة الأهوال كالغافل وفيه الوجهان اللذان ذكرناهما في قوله تعالى : ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق : ١٩] والغفلة شيء من الغطاء كاللبس وأكثر منه لأن الشاك يلتبس الأمر عليه والغافل يكون الأمر بالكلية محجوبا قلبه عنه وهو الغلف.


الصفحة التالية
Icon