مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ١٣٩
الطريق وأبعد عنه تتغير عليه السمات والجهات ولا يرى عين المقصد ويتبين له أنه ضل عن الطريق، وربما يقع في أودية ومفاوز ويظهر له أمارات الضلال بخلاف من حاد قليلا، فالضلال وصفه اللّه تعالى بالوصفين في كثير من المواضع فقال تارة فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وأخرى قال : فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ.
المسألة الثانية : قوله تعالى : وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إشارة إلى قوله إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ / الْمُخْلَصِينَ [الحجر : ٤٠] وقوله تعالى : إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر : ٤٢] أي لم يكونوا من العباد، فجعلهم أهل العناد، ولو كان لهم في سبيلك قدم صدق لما كان لي عليهم من يد، واللّه أعلم.
المسألة الثالثة : كيف قال ما أطغيته مع أنه قال : لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ؟ [الحجر : ٣٩] قلنا الجواب عنه من ثلاثة أوجه وجهان : قد تقدما في الاعتذار عما قاله الزمخشري والثالث : هو أن يكون المراد من قوله لَأُغْوِيَنَّهُمْ أي لأديمنهم على الغواية كما أن الضال إذا قال له شخص أنت على الجادة، فلا تتركها، يقال أنه يضله كذلك هاهنا، وقوله ما أَطْغَيْتُهُ أي ما كان ابتداء الإطغاء مني.
[سورة ق (٥٠) : آية ٢٨]
قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨)
ثم قال تعالى : قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ.
قد ذكرنا أن هذا دليل على أن هناك كلاما قبل قوله قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ [ق : ٢٧] وهو قول الملقى في النار ربنا أطغاني وقوله لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ يفيد مفهومه أن الاختصام كان ينبغي أن يكون قبل الحضور والوقوف بين يدي.
وقوله تعالى : وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ.
تقرير للمنع من الاختصام وبيان لعدم فائدته، كأنه يقول قد قلت إنكم إذا اتبعتم الشيطان تدخلون النار وقد اتبعتموه، فإن قيل ما حكم الباء في قوله تعالى : بِالْوَعِيدِ؟ قلنا فيها وجوه أحدها : أنها مزيدة كما في قوله تعالى تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون : ٢٠]، على قول من قال إنها هناك زائدة، وقوله وَكَفى بِاللَّهِ [النساء : ٦] وثانيها : معدية فقدمت بمعنى تقدمت كما في قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ [الحجرات : ١] ثالثها : في الكلام إضمار تقديره، وقد قدمت إليكم مقترنا بالوعيد ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق : ٢٩] فيكون المقدم هو قوله، ما يبدل القول لدي، رابعها : هي المصاحبة يقول القائل : اشتريت الفرس بلجامه وسرجه أي معه فيكون كأنه تعالى قال : قدمت إليكم ما يجب مع الوعيد على تركه بالإنذار.
[سورة ق (٥٠) : آية ٢٩]
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)
وقوله تعالى : ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قوله لَدَيَّ متعلقا بالقول أي ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وثانيهما : أن يكون ذلك متعلقا بقوله ما يُبَدَّلُ أي لا يقع التبديل عندي، وعلى الوجه الأول في القول الذي لديه وجوه أحدها : هو أنهم لما قالوا حتى يبدل ما قيل في حقهم أَلْقِيا [ق : ٢٤] بقول اللّه بعد اعتذارهم لا تلقياه فقال تعالى : ما يبدل هذا القول لدي، وكذلك قوله قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ / جَهَنَّمَ [الزمر : ٧٢] لا تبديل له ثانيها : هو قوله وَلكِنْ حَقَّ


الصفحة التالية
Icon