مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢١١
٥٧، ٥٨] أي للنفوس ما تتفكه به، للأرواح ما تتمناه من القربة والزلفى.
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٣]
يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣)
وقوله تعالى : يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً فيكون ذلك على عادة الملوك إذا جلسوا في مجالسهم للشرب يدخل عليهم بفواكه ولحوم وهم على الشرب، وقوله تعالى : يَتَنازَعُونَ أي يتعاطون ويحتمل أن يقال التنازع التجاذب وحينئذ يكون تجاذبهم تجاذب ملاعبة لا تجاذب منازعة، وفيه نوع لذة وهو بيان ما هو عليه حال الشراب في الدنيا فإنهم يتفاخرون بكثرة الشرب ولا يتفاخرون بكثرة الأكل، ولهذا إذا شرب أحدهم يرى الآخر واجبا أن يشرب مثل ما شربه حريفه ولا يرى واجبا أن يأكل مثل ما أكل نديمه وجليسه.
وقوله تعالى : لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ وسواء قلنا فِيها عائدة إلى الجنة أو إلى الكأس فذكرهما / لجريان ذكر الشراب وحكايته على ما في الدنيا، فقال تعالى ليس في الشرب في الآخرة كل ما فيه في الدنيا من اللغو بسبب زوال العقل ومن التأثيم الذي بسبب نهوض الشهوة والغضب عند وفور العقل والفهم، وفيه وجه ثالث، وهو أن يقال لا يعتريه كما يعتري الشارب بالشرب في الدنيا فلا يؤثم أي لا ينسب إلى إثم، وفيه وجه رابع وهو أن يكون المراد من التأثيم السكر، وحينئذ يكون فيه ترتيب حسن وذلك لأن من الناس من يسكر ويكون رزين العقل عديم اعتياد العربدة فيسكن وينام ولا يؤذي ولا يتأذى ولا يهذي ولا يسمع إلى من هذى، ومنهم من يعربد فقال : لا لَغْوٌ فِيها ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : آية ٢٤]
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)
أي بالكؤوس وقال تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الواقعة : ١٧، ١٨] وقوله لَهُمْ أي ملكهم إعلاما لهم بقدرتهم على التصرف فيهم بالأمر والنهي والاستخدام وهذا هو المشهور ويحتمل وجها آخر وهو أنه تعالى لما بيّن امتياز خمر الآخرة عن خمر الدنيا بين امتياز غلمان الآخرة عن غلمان الدنيا، فإن الغلمان في الدنيا إذا طافوا على السادة الملوك يطوفون عليهم لحظ أنفسهم إما لتوقع النفع أو لتوفر الصفح، وأما في الآخرة فطوفهم عليهم متمحض لهم ولنفعهم ولا حاجة لهم إليهم والغلام الذي هذا شأنه له مزية على غيره وربما يبلغ درجة الأولاد «١». وقوله تعالى : كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ أي في الصفاء، ومَكْنُونٌ ليفيد زيادة في صفاء ألوانهم أو لبيان أنهم كالمخدرات لا بروز لهم ولا خروج من عندهم فهم في أكنافهم. ثم قال تعالى :
[سورة الطور (٥٢) : الآيات ٢٥ إلى ٢٨]
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)

(١) اللام في لَهُمْ للملك أو التخصيص أي لا كسقاة الخمر في الدنيا يسقون كل شارب، ويستجيبون لكل طالب.


الصفحة التالية
Icon