مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٤
اعلم أنه تعالى لما أورد أنواع الدلائل في إثبات التوحيد والنبوّة، وكان أهل مكة بسبب / استغراقهم في لذات الدنيا واشتغالهم بطلبها أعرضوا عنها، ولم يلتفتوا إليها، ولهذا السبب قال تعالى في حقهم وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا فلما كان الأمر كذلك بين أن قوم عاد كانوا أكثر أموالا وقوة وجاها منهم، ثم إن اللّه تعالى سلّط العذاب عليهم بسبب شؤم كفرهم فذكر هذه القصة هاهنا ليعتبر بها أهل مكة، فيتركوا الاغترار بما وجدوه من الدنيا ويقبلوا على طلب الدين، فلهذا المعنى ذكر اللّه تعالى هذه القصة في هذا الموضع، وهو مناسب لما تقدم لأن من أراد تقبيح طريقة عند قوم كان الطريق فيه ضرب الأمثال، وتقديره أن من واظب على تلك الطريقة نزل به من البلاء كذا وكذا، وقوله تعالى : وَاذْكُرْ أَخا عادٍ أي واذكر يا محمد لقومك أهل مكة هودا عليه السلام إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ أي حذرهم عذاب اللّه إن لم يؤمنوا، وقوله بِالْأَحْقافِ قال أبو عبيدة الحقف الرمل المعوج، ومنه قيل للمعوج محقوف وقال الفراء الأحقاف واحدها حقف وهو الكثيب المكسر غير العظيم وفيه اعوجاج، قال ابن عباس الأحقاف واد بين عمان ومهرة والنذر جمع نذير بمعنى المنذر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ من قبله وَمِنْ خَلْفِهِ من بعده والمعنى أن هودا عليه السلام قد أنذرهم وقال لهم أن لا تعبدوا إلا اللّه إني أخاف عليكم العذاب.
واعلم أن الرسل الذين بعثوا قبله والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره.
ثم حكى تعالى عن الكفار أنهم قالوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا الإفك الصرف، يقال أفكه عن رأيه أي صرفه، وقيل بل المراد لتزيلنا بضرب من الكذب عَنْ آلِهَتِنا وعن عبادتها فَأْتِنا بِما تَعِدُنا معاجلة العذاب على الشرك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في وعدك، فعند هذا قال هود إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وإنما صلح هذا الكلام جوابا لقولهم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا لأن قولهم فَأْتِنا بِما تَعِدُنا استعجال منهم لذلك العذاب فقال لهم هود لا علم عندي بالوقت الذي يحصل فيه ذلك العذاب، إنما علم ذلك عند اللّه تعالى وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وهو التحذير عن العذاب، وأما العلم بوقته فما أوحاه اللّه إليّ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ وهذا يحتمل وجوها الأول : المراد أنكم لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا سائلين عن غير ما أذن لهم فيه وإنما بعثوا مبلغين الثاني :
أراكم قوما تجهلون من حيث إنكم بقيتم مصرين على كفركم وجهلكم فيغلب على ظني أنه قرب الوقت الذي


الصفحة التالية
Icon