مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٢٥١
آخر تقول سميت بزيد ابني أو عبدي أو غير ذلك فيكون قد جعل للأصنام اعتبارا وراء أسمائها، وإذا قال : إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أي وضعتموها في أنفسها لا مسميات لها لم يكن ذلك فإن قيل هذا باطل بقوله تعالى : وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ [آل عمران : ٣٦] حيث لم يقل وإني سميتها بمريم ولم يكن ما ذكرت مقصودا وإلا لكانت مريم غير ملتفت إليها كما قلت في الأصنام؟ نقول بينهما بون عظيم وذلك لأن هناك قال : سَمَّيْتُها مَرْيَمَ فذكر المفعولين فاعتبر حقيقة مريم بقوله سَمَّيْتُها واسمها بقوله مَرْيَمَ وأما هاهنا فقال : إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أي ما هناك إلا أسماء موضوعة فلم تعتبر الحقيقة هاهنا واعتبرت في مريم.
المسألة الخامسة : ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ على أي وجه استعملت الباء في قوله بِها مِنْ سُلْطانٍ؟
نقول كما يستعمل القائل ارتحل فلان بأهله ومتاعه، أي ارتحل ومعه الأهل والمتاع كذا هاهنا.
ثم قال تعالى : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ إن تتبعون بالتاء على الخطاب، وهو ظاهر مناسب لقوله تعالى : أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ على المغايبة وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون الخطاب معهم لكنه يكون التفاتا كأنه قطع الكلام معهم، وقال لنبيه : إنهم لا يتبعون إلا الظن، فلا تلتفت إلى قولهم ثانيهما : أن يكون المراد غيرهم وفيه احتمالان أحدهما : أن يكون المراد آباءهم وتقديره هو أنه لما قال : سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ كأنهم قالوا هذه ليست أسماء وضعناها نحن، وإنما هي كسائر الأسماء تلقيناها ممن قبلنا من آبائنا فقال وسماها آباؤكم وما يتبعون إلا الظن، فإن قيل كان ينبغي أن يكون بصيغة الماضي، نقول وبصيغة المستقبل أيضا كأنه يفرض الزمان بعد زمان الكلام كما في قوله تعالى : وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ [الكهف : ١٨]. ثانيهما : أن يكون المراد عامة الكفار كأنه قال : إن يتبع الكافرون إلا الظن.
المسألة الثانية : ما معنى الظن وكيف ذمهم به وقد وجب علينا اتباعه في الفقه وقال / صلى اللّه عليه وسلم عن اللّه تعالى :«أنا عند ظن عبدي بي»؟
نقول أما الظن فهو خلاف العلم وقد استعمل مجازا مكان العلم والعلم مكانه، وأصل العلم الظهور ومنه العلم والعالم وقد بينا في تفسير العالمين أن حروف ع ل م في تقاليبها فيها معنى الظهور، ومنها لمع الآل إذا ظهر وميض السراب ولمع الغزال إذا عدا وكذا النعام وفيه الظهور وكذلك علمت، والظن إذا كان في مقابلة العلم ففيه الخفاء ومنه بئر ظنون لا يدري أفيها ماء أم لا، ومنه الظنين المتهم لا يدري ما يظن، نقول يجوز بناء الأمر على الظن الغالب عند العجز عن درك اليقين والاعتقاد ليس كذلك لأن اليقين لم يتعذر علينا وإلى هذا إشارة بقول وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى [النجم : ٢٣] أي اتبعوا الظن، وقد أمكنهم الأخذ باليقين وفي العمل يمتنع ذلك أيضا.
المسألة الثالثة :(ما) في قوله تعالى : وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ خبرية أو مصدرية؟ نقول فيه وجهان أحدهما : مصدرية كأنه قال : إن يتبعون إلا الظن وهوى الأنفس، فإن قيل ما الفائدة في العدول عن صريح المصدر إلى الفعل مع زيادة ما وفيه تطويل؟ نقول فيه فائدة، وإنها في أصل الوضع ثم نذكرها هنا فنقول إذا قال القائل أعجبني صنعك يعلم من الصيغة أن الإعجاب من مصدر قد تحقق وكذلك إذا قال أعجبني ما تصنع يعلم أن الإعجاب من مصدر هو فيه فلو قال أعجبني صنعك وله صنع أمس وصنع اليوم لا يعلم أن المعجب أي صنع هو إذا علمت هذا فنقول هاهنا قوله وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ يعلم منه أن المراد أنهم يتبعون ما تهوى أنفسهم في


الصفحة التالية
Icon