مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٣٦
يلطخ ثوب الملك بركضه في استنانه، فهل يلتفت إلى فعل الدابة مع فعل الفارس، بل لو كان الراكب فارغا / الفرس يؤذي بالتلويث يخاطب الفارس به، فكذلك الروح راكب والبدن مركوب، فإن كانت الروح مشغولة بعبادة اللّه وذكره، ويصدر من البدن شيء لا يلتفت إليه، بل يستحسن منه ذلك ويزاد في تربية الفرس الراكض ويهجر الفرس الواقف، وإن كان غير مشغول فهو مؤاخذ بأفعال البدن ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣]
ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في الباطل وجوه الأول : ما لا يجوز وجوده، وذلك لأنهم اتبعوا إلها غير اللّه، وإله غير اللّه محال الوجود، وهو الباطل وغاية الباطل، لأن الباطل هو المعدوم، يقال بطل كذا، أي عدم، والمعدوم الذي لا يجوز وجوده ولا يمكن أن يوجد، ولا يجوز أن يصير حقا موجودا، فهو في غاية البطلان، فعلى هذا فالحق هو الذي لا يمكن عدمه وهو اللّه تعالى، وذلك لأن الحق هو الموجود، يقال تحقق الأمر، أي وجد وثبت، والموجود الذي لا يجوز عدمه هو في غاية الثبوت الثاني : الباطل الشيطان بدليل قوله تعالى : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص : ٨٥] فبيّن أن الشيطان متبوع وأتباعه هم الكفار والفجار، وعلى هذا فالحق هو اللّه، لأنه تعالى جعل في مقابلة حزب الشيطان حزب اللّه الثالث : الباطل، هو قول كبرائهم ودين آبائهم، كما قال تعالى عنهم : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف : ٢٢] ومقتدون فعلى هذا الحق ما قاله النبي عليه السلام عن اللّه الرابع : الباطل كل ما سوى اللّه تعالى، لأن الباطل والهالك بمعنى واحد. وكُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص : ٨٨] وعلى هذا فالحق هو اللّه تعالى أيضا.
المسألة الثانية : لو قال قائل من ربهم لا يلائم إلا وجها واحدا من أربعة أوجه، وهو قولنا المراد من الحق هو ما أنزل اللّه وما قال النبي عليه السلام من اللّه، فأما على قولنا الحق هو اللّه فكيف يصح قوله اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ نقول على هذا مِنْ رَبِّهِمْ لا يكون متعلقا بالحق، وإنما يكون تعلقه بقوله تعالى : اتَّبَعُوا أي اتبعوا أمر ربهم، أي من فضل اللّه أو هداية ربهم اتبعوا الحق، وهو اللّه سبحانه.
المسألة الثالثة : إذا كان الباطل هو المعدوم الذي لا يجوز وجوده، فكيف يمكن اتباعه؟ نقول لما كانوا يقولون إنما يفعلون للأصنام وهي آلهة وهي تؤجرهم بذلك كانوا متبعين في زعمهم، ولا متبع هناك.
المسألة الرابعة : قال في حق المؤمنين اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ وقال في حق الكفار اتَّبَعُوا الْباطِلَ من آلهتهم أو الشيطان، نقول أما آلهتهم فلأنهم لا كلام لهم ولا عقل، وحيث ينطقهم اللّه ينكرون فعلهم، كما قال تعالى : وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر : ١٤] وقال تعالى : وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف : ٦] واللّه تعالى رضي بفعلهم وثبتهم عليه، ويحتمل أن يقال قوله مِنْ رَبِّهِمْ عائد إلى الأمرين جميعا، أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل، وهؤلاء الحق، أي من حكم ربهم، ومن عند ربهم.
ثم قال تعالى : كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ وفيه أيضا مسائل :
المسألة الأولى : أي مثل ضربه اللّه تعالى حتى يقول كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ؟ نقول فيه وجهان أحدهما : إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات الأبرار الثاني : كون الكافر متبعا للباطل، وكون المؤمن متبعا


الصفحة التالية
Icon