مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٣٩
في أسر العرب، فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان معهم فلم يذكر الاسترقاق، وأما القتل فلأن الظاهر في المثخن الإزمان، ولأن القتل ذكره بقوله فَضَرْبَ الرِّقابِ فلم يبق إلا الأمران.
المسألة الثانية : منا وفداء منصوبان لكونهما مصدرين تقديره : فإما تمنون منا وإما تفدون فداء وتقديم المن على الفداء إشارة إلى ترجيح حرمة النفس على طلب المال، والفداء يجوز أن يكون مالا يكون وأن يكون غيره من الأسرى أو يشرط عليهم أو عليه وحده.
المسألة الثالثة : إذا قدرنا الفعل وهو تمنون أو تفدون على تقدير المفعول، حتى نقول إما تمنون عليهم منا أو تفدونهم فداء، نقول لا لأن المقصود المن والفداء لا عليهم وبهم كما يقول / القائل : فلان يعطي ويمنع ولا يقال يعطي زيدا ويمنع عمرا لأن غرضه ذكر كونه فاعلا لا بيان المفعول، وكذلك هاهنا المقصود إرشاد المؤمنين إلى الفضل.
ثم قال تعالى : حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها.
وفي تعلق حَتَّى وجهان أحدهما : تعلقها بالقتل أي اقتلوهم حتى تضع وثانيهما : بالمن والفداء، ويحتمل أن يقال متعلقة بشدوا الوثاق وتعلقها بالقتل أظهر وإن كان ذكره أبعد، وفي الأوزار وجهان أحدهما :
السلاح والثاني : الآثام وفيه مسائل :
المسألة الأولى : إن كان المراد الإثم، فكيف تضع الحرب الإثم والإثم على المحارب؟ وكذلك السؤال في السلاح لكنه على الأول أشد توجها، فيقول تضع الحرب الأوزار لا من نفسها، بل تضع الأوزار التي على المحاربين والسلاح الذي عليهم.
المسألة الثانية : هل هذا كقوله تعالى : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف : ٨٢] حتى يكون كأنه قال حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها؟ نقول ذلك محتمل في النظر الأول، لكن إذا أمعنت في المعنى تجد بينهما فرقا، وذلك لأن المقصود من قوله حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها الحرب بالكلية بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفر يحارب حزبا من أحزاب الإسلام، ولو قلنا حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية بمادتها كما تقول خصومتي ما انفصلت ولكني تركتها في هذه الأيام، وإذا أسندنا الوضع إلى الحرب يكون معناه إن الحرب لم يبق.
المسألة الثالثة : لو قال حتى لا يبقى حزب أو ينفر من الحرب هل يحصل معنى قوله حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها نقول لا والتفاوت بين العبارتين مع قطع النظر عن النظم، بل النظر إلى نفس المعنى كالتفاوت بين قولك انقرضت دولة بني أمية، وقولك لم يبق من دولتهم أثر، ولا شك أن الثاني أبلغ، فكذلك هاهنا قوله تعالى : أَوْزارَها معناه آثارها فإن من أوزار الحرب آثارها.
المسألة الرابعة : وقت وضع أوزار الحرب متى هو؟ نقول فيه أقوال حاصلها راجع إلى أن ذلك الوقت هو الوقت الذي لا يبقى فيه حزب من أحزاب الإسلام وحزب من أحزاب الكفر وقيل ذلك عند قتال الدجال ونزول عيسى عليه السلام.
ثم قال تعالى : ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ.


الصفحة التالية
Icon