مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٤٣
فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد : ٤] وقال في موتى الكافرين وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ثم بيّن اللّه تعالى سبب ما اختلفوا فيه فقال :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٩]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩)
وفيه وجوه الأول : المراد القرآن، ووجهه هو أن كيفية العمل الصالح لا تعلم بالعقل وإنما تدرك بالشرع والشرع بالقرآن فلما أعرضوا لم يعرفوا العمل الصالح وكيفية الإتيان به، فأتوا بالباطل فأحبط أعمالهم الثاني :
كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ من بيان التوحيد كما قال اللّه تعالى عنهم أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا [الصافات : ٣٦] وقال تعالى : أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إلى أن قال : إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص : ٥- ٧] وقال تعالى : وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الزمر : ٤٥] ووجهه أن الشرك محبط للعمل، قال اللّه تعالى : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر : ٦٥] وكيف لا والعمل من المشرك لا يقع لوجه اللّه فلا بقاء له في نفسه ولا بقاء له ببقاء من له العمل، لأن ما سوى وجه اللّه تعالى هالك محبط الثالث : كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ من بيان أمر الآخرة فلم يعملوا لها، والدنيا وما فيها ومآلها باطل، فأحبط اللّه أعمالهم. وقوله :
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٠]
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠)
فيه مناسبة للوجه الثالث يعني فينظروا إلى حالهم ويعلموا أن الدنيا فانية.
وقوله دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي أهلك عليهم متاع الدنيا من الأموال والأولاد والأزواج والأجساد.
وقوله تعالى : وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد لهم أمثالها في الدنيا، وحينئذ يكون المراد من الكافرين هم الكافرون بمحمد عليه الصلاة والسلام وثانيهما : أن يكون المراد لهم أمثالها في الآخرة، فيكون المراد من تقدم كأنه يقول : دمر اللّه عليهم في الدنيا ولهم في الآخرة أمثالها، وفي العائد إليه ضمير المؤنث في قوله أَمْثالُها وجهان أحدهما : هو المذكور وهو العاقبة وثانيهما : هو المفهوم وهو العقوبة، لأن التدمير كان عقوبة لهم، فإن قيل على قولنا المراد للكافرين بمحمد عليه السلام أمثال ما كان لمن تقدمهم من العاقبة يرد سؤال، وهو أن الأولين أهلكوا بوقائع شديدة كالزلازل والنيران وغيرهما من الرياح والطوفان، ولا كذلك قوم محمد صلى اللّه عليه وسلم، نقول جاز أن يكون عذابهم أشد من عذاب الأولين لكون دين محمد أظهر بسبب تقدم الأنبياء عليهم السلام عليه وإخبارهم عنه وإنذارهم به على أنهم قتلوا وأسروا بأيديهم من كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم والقتل بيد المثل آلم من الهلاك بسبب عام وسؤال آخر : إذا كان الضمير عائدا إلى العاقبة فكيف يكون لها أمثال؟ قلنا يجوز أن يقال المراد العذاب الذي هو مدلول العاقبة أو الألم الذي كانت العاقبة عليه ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ١١]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)
ذلِكَ يحتمل أن يكون إشارة إلى النصر وهو اختيار جماعة ذكره الواحدي، ويحتمل وجها آخر أغرب من حيث النقل، وأقرب من حديث العقل، وهو أنا لما بينا أن قوله تعالى : وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها [محمد : ١٠] إشارة إلى أن قوم محمد عليه الصلاة والسلام أهلكوا بأيدي أمثالهم الذين كانوا لا يرضون بمجالستهم وهو آلم


الصفحة التالية
Icon