مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٦٢
يكون لهم الغلبة فقال إن اللّه معكم لا يبقى لكم شك ولا ارتياب في أن الغلبة لكم وهذا كقوله تعالى : لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة : ٢١] وقوله إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ
[الصافات : ١٧٣] وقوله وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ وعد آخر وذلك لأن اللّه لما قال إن اللّه معكم، كان فيه أن النصرة باللّه لا بكم فكان القائل يقول لم يصدر مني عمل له اعتبار فلا أستحق تعظيما، فقال هو ينصركم ومع ذلك لا ينقص من أعمالكم شيئا، ويجعل كأن النصرة جعلت بكم ومنكم فكأنكم مستقلون في ذلك ويعطيكم أجر المستبد، والترة النقص، ومنه الموتر كأنه نقص منه ما يشفعه، ويقول عند القتال إن قتل من الكافرين أحد فقد وتروا في أهلهم وعملهم حيث نقص عددهم وضاع عملهم، والمؤمن إن قتل فإنما ينقص من عدده ولم ينقص من عمله، وكيف ولم ينقص من عدده أيضا، فإنه حي مرزوق، فرح بما هو إليه مسوق. ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٦]
إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦)
زيادة في التسلية يعني كيف تمنعك الدنيا من طلب الآخرة بالجهاد، وهي لا تفوتك لكونك منصورا غالبا، وإن فاتتك فعملك غير موتر، فكيف وما يفوتك، فإن فات فائت ولم يعوض لا ينبغي لك أن تلتفت إليها لكونها لعبا ولهوا، وقد ذكرنا في اللعب واللهو مرارا أن اللعب / ما تشتغل به ولا يكون فيه ضرورة في الحال ولا منفعة في المآل، ثم إن استعمله الإنسان ولم يشتغله عن غيره، ولم يثنه عن أشغاله المهمة فهو لعب وإن شغله ودهشه عن مهماته فهو لهو، ولهذا يقال ملاهي لآلات الملاهي لأنها مشغلة عن الغير، ويقال لما دونه لعب كاللعب بالشطرنج والحمام، وقد ذكرنا ذلك غير مرة، وقوله وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ إعادة للوعد والإضافة للتعريف، أي الأجر الذي وعدكم بقوله أَجْرٍ كَرِيمٍ [يس : ١١] وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود : ١١] وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران : ١٧٢] وقوله وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ يحتمل وجوها أحدها : أن الجهاد لا بد له من إنفاق، فلو قال قائل أنا لا أنفق مالي، فيقال له اللّه لا يسئلكم مالكم في الجهات المعينة من الزكاة والغنيمة وأموال المصالح فيها تحتاجون إليه من المال لا تراعون بإخراجه وثانيها : الأموال للّه وهي في أيديكم عارية وقد طلب منكم أو أجاز لكم في صرفها في جهة الجهاد فلا معنى لبخلكم بماله، وإلى هذا إشارة بقوله تعالى : وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الحديد : ١٠] أي الكل للّه وثالثها : لا يسألكم أموالكم كلها، وإنما يسألكم شيئا يسيرا منها وهو ربع العشر، وهو قليل جدا لأن العشر هو الجزء الأقل إذ ليس دونه جزء آخر وليس اسما مفردا، وأما الجزء من أحد عشر ومن اثنى عشر و[إلى ] مائة جزء لما لم يكن ملتفتا إليه لم يوضع له اسم مفرد.
ثم إن اللّه تعالى لم يوجب ذلك في رأس المال بل أوجب ذلك في الربح الذي هو من فضل اللّه وعطائه، وإن كان رأس المال أيضا كذلك لكن هذا المعنى في الربح أظهر، ولما كان المال منه ما ينفق للتجارة فيه ومنه ما لا ينفق، وما أنفق منه للتجارة أحد قسميه وهو يحتمل أن تكون التجارة فيه رابحة، ويحتمل أن لا تكون رابحة فصار القسم الواحد قسمين فصار في التقدير كان الربح في ربعه فأوجب [ربع ] عشر الذي فيه الربح وهو عشر فهو ربع العشر وهو الواجب، فعلم أن اللّه لا يسألكم أموالكم ولا الكثير منه. ثم قال تعالى :
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٧]
إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)


الصفحة التالية
Icon