مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٦٨
المسألة الأولى : السكينة هنا غير السكينة في قوله تعالى : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة : ٢٤٨] في قول أكثر المفسرين ويحتمل هي تلك المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلوب.
المسألة الثانية : السكينة المنزّلة عليهم هي سبب ذكرهم اللّه كما قال تعالى : أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد : ٢٨].
المسألة الثالثة : قال اللّه تعالى في حق الكافرين وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ [الأحزاب : ٢٦] بلفظ القذف المزعج وقال في حق المؤمنين أَنْزَلَ السَّكِينَةَ بلفظ الإنزال المثبت، وفيه معنى حكمي وهو أن من علم شيئا من قبل وتذكره واستدام تذكره فإذا وقع لا يتغير، ومن كان غافلا عن شيء فيقع دفعة يرجف فؤاده، ألا ترى أن من أخبر بوقوع صيحة وقيل له لا تنزعج منها فوقعت الصيحة لا يرجف، ومن لم يخبر به وأخبر وغفل عنه يرتجف إذا وقعت، فكذلك الكافر أتاه اللّه من حيث لا يحتسب وقذف في قلبه فارتجف، والمؤمن أتاه من حيث كان يذكره فسكن، وقوله تعالى : لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ فيه وجوه أحدها : أمرهم بتكاليف شيئا بعد شيء فآمنوا بكل واحد منها، مثلا أمروا بالتوحيد فآمنوا وأطاعوا، ثم أمروا بالقتال والحج فآمنوا وأطاعوا، فازدادوا إيمانا مع إيمانهم ثانيها : أنزل السكينة عليهم فصبروا فرأوا عين اليقين بما علموا من النصر علم اليقين إيمانا بالغيب فازدادوا إيمانا مستفادا من الشهادة مع إيمانهم المستفاد من الغيب ثالثها : ازدادوا بالفروع مع إيمانهم بالأصول، فإنهم آمنوا بأن محمدا رسول اللّه وأن اللّه واحد والحشر كائن وآمنوا بأن كل ما يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم صدق وكل ما يأمر اللّه تعالى به واجب رابعها : ازدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري، وعلى هذا الوجه نبين لطيفة وهي أن اللّه تعالى قال في حق الكافر إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل عمران : ١٧٨] ولم يقل مع كفرهم لأن كفرهم عنادي وليس في الوجود كفر فطري لينضم إليه الكفر العنادي بل الكفر ليس إلا عناديا وكذلك الكفر بالفروع لا يقال انضم إلى الكفر بالأصول لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد فقال : لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وقوله
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فكان قادرا على إهلاك عدوه بجنوده بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائهم بأيديهم فيكون لهم الثواب، وفي جنود السموات والأرض وجوه أحدها :
ملائكة السموات والأرض ثانيها : من في السموات من الملائكة ومن في الأرض من الحيوانات والجن وثالثها :
الأسباب السماوية والأرضية حتى يكون سقوط كسف من السماء والخسف من جنوده، وقوله تعالى : وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لما قال : وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [سبأ : ٣] وأيضا لما ذكر أمر القلوب بقوله هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ والإيمان من عمل القلوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يعلم السر وأخفى، وقوله حَكِيماً بعد قوله عَلِيماً إشارة إلى أنه يفعل على وفق العلم فإن الحكيم من يعمل شيئا متقنا ويعلمه، فإن من يقع منه صنع عجيب اتفاقا لا يقال له حكيم ومن يعلم ويعمل على خلاف العلم لا يقال له حكيم. وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon