مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٨١
لمنعوهم من فتح خيبر واغتنام غنائمها، فقال ليس كذلك، بل سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون، والغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمرا اتفاقيا، بل هو إلهي محكوم به محتوم.
وقوله تعالى : ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً.
قد ذكرنا مرارا أن دفع الضرر عن الشخص إما أن يكون بولي ينفع باللطف، أو بنصير يدفع بالعنف، وليس للذين كفروا شيء من ذلك، وفي قوله تعالى : ثُمَّ لطيفة وهي أن من يولي دبره يطلب الخلاص من القتل بالالتحاق بما ينجيه، فقال وليس إذا ولوا الأدبار يتخلصون، بل بعد التولي الهلاك لا حق بهم.
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٣]
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٢٣)
جواب عن سؤال آخر يقوم مقام الجهاد وهو أن الطوالع لها تأثيرات، والاتصالات لها تغيرات، فقال ليس كذلك [بل ] سنة اللّه نصرة رسوله، وإهلاك عدوه.
وقوله تعالى : وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.
بشارة ودفع وهن يقع بسبب وهم، وهو أنه إذا قال اللّه تعالى ليس هذا بالتأثيرات فلا يجب وقوعه، بل اللّه فاعل مختار، ولو أراد أن يهلك العباد لأهلكهم، بخلاف قول المنجم بأن الغلب لمن / له طالع وشواهد تقتضي غلبته قطعا، فقال اللّه تعالى : وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا يعني أن اللّه فاعل مختار يفعل ما يشاء ويقدر على إهلاك أصدقائه، ولكن لا يبدل سنته ولا يغير عادته.
[سورة الفتح (٤٨) : آية ٢٤]
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤)
تبيينا لما تقدم من قوله وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ [الفتح : ٢٢] أي هو بتقدير اللّه، لأنه كف أيديهم عنكم بالفرار، وأيديكم عنهم بالرجوع عنهم وتركهم، وقوله تعالى : بِبَطْنِ مَكَّةَ إشارة إلى أمر كان هناك يقتضي عدم الكف، ومع ذاك وجد كف الأيدي، وذلك الأمر هو دخول المسلمين ببطن مكة، فإن ذلك يقتضي أن يصبر المكفوف على القتال لكون العدو دخل دارهم طالبين ثأرهم، وذلك مما يوجب اجتهاد البليد في الذب عن الحريم، ويقتضي أن يبالغ المسلمون في الاجتهاد في الجهاد لكونهم لو قصروا لكسروا وأسروا لبعد مأمنهم، فقوله بِبَطْنِ مَكَّةَ إشارة إلى بعد الكف، ومع ذلك وجد بمشيئة اللّه تعالى، وقوله تعالى : مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ صالح لأمرين أحدهما : أن يكون منة على المؤمنين بأن الظفر كان لكم، مع أن الظاهر كان يستدعي كون الظفر لهم لكون البلاد لهم، ولكثرة عددهم الثاني : أن يكون ذكر أمرين مانعين من الأمرين الأولين، مع أن اللّه حققهما مع المنافقين، أما كف أيدي الكفار، فكان بعيدا لكونهم في بلادهم ذابين عن أهليهم وأولادهم، وإليه أشار بقوله بِبَطْنِ مَكَّةَ وأما كف أيدي المسلمين، فلأنه كان بعد أن ظفروا بهم، ومتى ظفر الإنسان بعدوه الذي لو ظفر هو به لاستأصله يبعد انكفافه عنه، مع أن اللّه كف اليدين.
وقوله تعالى : وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً.


الصفحة التالية
Icon