مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٩٧
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ٥]
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
ثم قال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ إشارة إلى حسن الأدب الذي على خلاف ما أتوا به من سوء الأدب فإنهم لو صبروا لما احتاجوا إلى النداء، وإذا كنت تخرج إليهم فلا يصح إتيانهم في وقت اختلائك بنفسك أو بأهلك أو بربك، فإن للنفس حقا وللأهل حقا، وقوله تعالى : لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون المراد أن ذلك هو الحسن والخير كقوله تعالى : خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان : ٢٤]، وثانيهما : أن يكون المراد هو أن بالنداء وعدم الصبر يستفيدون تنجيز الشغل ودفع الحاجة في الحال وهو مطلوب، ولكن المحافظة على النبي صلى اللّه عليه وسلم وتعظيمه خير من ذلك، لأنها تدفع الحاجة الأصلية التي في الآخرة وحاجات الدنيا فضلية، والمرفوع الذي يقتضيه كلمة كان إما الصبر وتقديره لو أنهم صبروا لكان الصبر خيرا، أو الخروج من غير نداء وتقديره لو صبروا حتى تخرج إليهم لكان خروجك من غير نداء خيرا لهم، وذلك مناسب للحكاية، لأنهم طلبوا خروجه عليه الصلاة والسلام ليأخذوا ذراريهم، فخرج / وأعتق نصفهم وأخذوا نصفهم، ولو صبروا لكان يعتق كلهم والأول أصح.
ثم قال تعالى : وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تحقيقا لأمرين أحدهما : لسوء صنيعهم في التعجل، فإن الإنسان إذا أتى بقبيح ولا يعاقبه الملك أو السيد يقال ما أحلم سيده لا لبيان حلمه، بل لبيان عظيم جناية العبد وثانيهما :
لحسن الصبر يعني بسبب إتيانهم بما هو خير، يغفر اللّه لهم سيئاتهم ويجعل هذه الحسنة كفارة لكثير من السيئات، كما يقال للآبق إذا رجع إلى باب سيده أحسنت في رجوعك وسيدك رحيم، أي لا يعاقبك على ما تقدم من ذنبك بسبب ما أتيت به من الحسنة ويمكن أن يقال بأن ذلك حث للنبي صلى اللّه عليه وسلم على الصفح، وقوله تعالى :
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ كالعذر لهم، وقد ذكرنا أن اللّه تعالى ذكر في بعض المواضع الغفران قبل الرحمة، كما في هذه السورة وذكر الرحمة قبل المغفرة في سورة سبأ في قوله وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ : ٢] فحيث قال :
غفور رحيم أي يغفر سيئاته ثم ينظر إليه فيراه عاريا محتاجا فيرحمه ويلبسه لباس الكرامة وقد يراه مغمورا في السيئات فيغفر سيئاته، ثم يرحمه بعد المغفرة، فتارة تقع الإشارة إلى الرحمة التي بعد المغفرة فيقدم المغفرة، وتارة تقع الرحمة قبل المغفرة فيؤخرها، ولما كانت الرحمة واسعة توجد قبل المغفرة وبعدها ذكرها قبلها وبعدها.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦)
هذه السورة فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق، وهي إما مع اللّه تعالى أو مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو مع غيرهم من أبناء الجنس، وهم على صنفين، لأنهم إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين وداخلين في رتبة الطاعة أو خارجا عنها وهو الفاسق والداخل في طائفتهم السالك لطريقتهم إما أن يكون حاضرا عندهم أو غائبا عنهم فهذه خمسة أقسام أحدها : يتعلق بجانب اللّه وثانيها : بجانب الرسول وثالثها : بجانب الفساق ورابعها : بالمؤمن الحاضر وخامسها : بالمؤمن الغائب فذكرهم اللّه تعالى في هذه السورة خمس مرات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وأرشدهم في كل مرة إلى مكرمة مع قسم من الأقسام الخمسة فقال أولًا : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ


الصفحة التالية
Icon