مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٩٨
اللَّهِ وَرَسُولِهِ
[الحجرات : ١] وذكر الرسول كان لبيان طاعة اللّه لأنها لا تعلم إلا بقول رسول اللّه، وقال ثانياً :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات : ٢] لبيان وجوب احترام النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال ثالثاً : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ لبيان وجوب الاحتراز عن الاعتماد على أقوالهم، فإنهم يريدون إلقاء الفتنة / بينكم وبين ذلك عند تفسير قوله وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات : ٩] وقال رابعاً : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات : ١١] وقال : وَلا تَنابَزُوا [الحجرات : ١١] لبيان وجوب ترك إيذاء المؤمنين في حضورهم والازدراء بحالهم ومنصبهم، وقال خامساً : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات : ١٢] وقال : وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات : ١٢] وقال :
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً لبيان وجوب الاحتراز عن إهانة جانب المؤمن حال غيبته، وذكر ما لو كان حاضرا لتأذى، وهو في غاية الحسن من الترتيب، فإن قيل : لم لم يذكر المؤمن قبل الفاسق لتكون المراتب متدرجة الابتداء باللّه ورسوله، ثم بالمؤمن الحاضر، ثم بالمؤمن الغائب، ثم بالفاسق؟ نقول : قدم اللّه ما هو الأهم على ما دونه، فذكر جانب اللّه، ثم ذكر جانب الرسول، ثم ذكر ما يفضي إلى الاقتتال بين طوائف المسلمين بسبب الإصغاء إلى كلام الفاسق والاعتماد عليه، فإنه يذكر كل ما كان أشد نفارا للصدور، وأما المؤمن الحاضر أو الغائب فلا يؤذي المؤمن إلى حد يفضي إلى القتل، ألا ترى أن اللّه تعالى ذكر عقيب نبأ الفاسق آية الاقتتال، فقال : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا وفي التفسير مسائل :
المسألة الأولى : في سبب نزول هذه الآية، هو أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان لأمه إلى بني المصطلق وليا ومصدقا فالتقوه، فظنهم مقاتلين، فرجع إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال : إنهم امتنعوا ومنعوا، فهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالإيقاع بهم، فنزلت هذه الآية، وأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بأنهم لم يفعلوا من ذلك شيئا، وهذا جيد إن قالوا بأن الآية نزلت في ذلك الوقت، وأما إن قالوا بأنها نزلت لذلك مقتصرا عليه ومتعديا إلى غيره فلا، بل نقول هو نزل عاما لبيان التثبت، وترك الاعتماد على قول الفاسق، ويدل على ضعف قول من يقول : إنها نزلت لكذا، أن اللّه تعالى لم يقل إني أنزلتها لكذا، والنبي صلى اللّه عليه وسلم لم ينقل عنه أنه بين أن الآية وردت لبيان ذلك فحسب، غاية ما في الباب أنها نزلت في ذلك الوقت، وهو مثل التاريخ لنزول الآية، ونحن نصدق ذلك، ويتأكد ما ذكرنا أن إطلاق لفظ الفاسق على الوليد سيء بعيد، لأنه توهم وظن فأخطأ، والمخطئ لا يسمى فاسقا، وكيف والفاسق في أكثر المواضع المراد به من خرج عن ربقة الإيمان لقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [المنافقون : ٦] وقوله تعالى : فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف : ٥٠] وقوله تعالى : وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها [السجدة : ٢٠] إلى غير ذلك.
المسألة الثانية : قوله تعالى : إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ إشارة إلى لطيفة، وهي أن المؤمن كان موصوفا بأنه شديد على الكافر غليظ عليه، فلا يتمكن الفاسق من أن يخبره بنبإ، فإن تمكن منه يكون نادرا، فقال : إِنْ جاءَكُمْ بحرف الشرط الذي لا يذكر إلا مع التوقع، إذ لا يحسن أن يقال : إن احمر البسر، وإن طلعت الشمس.
المسألة الثالثة : النكرة في معرض الشرط تعم إذا كانت في جانب الثبوت، كما أنها تعم في / الإخبار إذا كانت في جانب النفي، وتخص في معرض الشرط إذ كانت في جانب النفي، كما تخص في الإخبار إذا كانت


الصفحة التالية
Icon