مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣١٢
تعلق شديد، لأن من يفهم من قولنا حصل زيد اليوم على أحسد بمعنى في نفسه وليس وإنما يلزم حمل كان على صار إذا لم يمكن أن يقال هو كذا كما في البيت حيث لا يمكن أن يقال : البيوض فراخ، وأما هنا يمكن أن يقال هم كهشيم ولولا الكاف لأمكن أن يقال : يجب حمل كان على صار إذا كان المراد أنهم انقلبوا هشيما كما يقلب الممسوخ وليس المراد ذلك.
المسألة الثانية : ما الهشيم؟ نقول هو المهشوم أي المكسور وسمي هاشم هاشما لهشمه الثريد في الجفان غير أن الهشيم استعمل كثيرا في الحطب المتكسر اليابس، فقال المفسرون : كانوا كالحشيش الذي يخرج من الحظائر بعد البلا بتفتت، واستدلوا عليه بقوله تعالى : هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ [الكهف : ٥٤] وهو من باب إقامة الصفة مقام الموصوف كما يقال : رأيت جريحا ومثله السعير.
المسألة الثالثة : لما ذا شبههم به؟ قلنا : يحتمل أن يكون التشبيه بكونهم يابسين كالحشيش بين الموتى الذين ماتوا من زمان وكأنه يقول : سمعوا الصيحة فكانوا كأنهم ماتوا من أيام، ويحتمل أن يكون لأنهم انضموا بعضهم إلى بعض كما ينضم الرفقاء عند الخوف داخلين بعضهم في بعض فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كحطب الحاطب الذي يصفه شيئا فوق شيء منتظرا حضور من يشتري منه شيئا فإن الحطاب الذي عنده الحطب الكثير يجعل منه كالحظيرة، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم أي كانوا كالحطب اليابس الذي للوقيد فهو محقق لقوله تعالى : إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء : ٩٨] وقوله تعالى : كانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
[الجن : ١٥] وقوله : أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً [نوح : ٢٥] كذلك ماتوا فصاروا كالحطب الذي لا يكون إلا للإحراق لأن الهشيم لا يصلح للبناء. ثم قال تعالى :
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٢]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)
والتكرار للتذكار. ثم بين حال قوم آخرون وهم قوم لوط فقال :
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٣]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣)
ثم بين عذابهم وإهلاكهم، فقال :
[سورة القمر (٥٤) : آية ٣٤]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤)
وفيه مسائل :
الأولى : الحاصب فاعل من حصب إذا رمى الحصباء وهي اسم الحجارة والمرسل عليهم / هو نفس


الصفحة التالية
Icon