مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٢٥
وإنكار الحشر وإنكار قدرة اللّه تعالى على الإحياء بعد الإماتة، وعلى غيره من الحوادث.
المسألة الثالثة : فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يحتمل وجوها ثلاثة أحدها : الجمع بين الأمرين في الدنيا أي هم في الدنيا في ضلال وجنون لا يعقلون ولا يهتدون، وعلى هذا فقوله : يُسْحَبُونَ بيان حالهم في تلك الصورة وهو أقرب ثانيها : الجمع في الآخرة أي هم في ضلال الآخرة وسعر أيضا. أما السعر فكونهم فيها ظاهر، وأما الضلال فلا يجدون إلى مقصدهم أو إلى ما يصلح مقصدا وهم متحيرون سبيلا، فإن قيل : الصحيح هو الوجه الأخير لا غير لأن قوله تعالى : يَوْمَ يُسْحَبُونَ ظرف القول أي يوم يسحبون يقال لهم ذوقوا، وسنبين ذلك فنقول : يَوْمَ يُسْحَبُونَ يحتمل أن يكون منصوبا بعامل مذكور أو مفهوم غير مذكور، والاحتمال الأول له وجهان أحدهما : العامل سابق وهو معنى كائن ومستقر غير أن ذلك صار نسيا منسيا ثانيهما : العامل متأخر وهو قوله : ذُوقُوا تقديره : ذوقوا مس سقر يوم يسحب المجرمون، والخطاب حينئذ مع من خوطب بقوله :
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ [القمر : ٤٣] والاحتمال الثالث «١» : أن المفهوم هو أن يقال لهم : يوم يسحبون ذوقوا، وهذا هو المشهور، وقوله تعالى : ذُوقُوا استعارة وفيه حكمة وهو أن الذوق من جملة الإدراكات فإن المذوق إذا لاقى اللسان يدرك أيضا حرارته وبرودته وخشونته وملاسته، كما يدرك سائر أعضائه الحسية ويدرك أيضا طعمه ولا يدركه غير اللسان، فإدراك اللسان أتم، فإذا تأذى من نار تأذى بحرارته ومرارته إن كان الحار أو غيره لا يتأذى إلا بحرارته فإذن الذوق إدراك لمسي أتم من غيره في الملموسات فقال :
ذُوقُوا إشارة إلى أن إدراكهم بالذوق أتم الإدراكات فيجتمع في العذاب شدته وإيلامه بطول مدته ودوامه، ويكون المدرك له لا عذر له يشغله وإنما هو على أتم ما يكون من الإدراك فيحصل الألم العظيم. وقد ذكرنا أن على قول الأكثرين يقال لهم أو نقول مضمر. وقد ذكرنا أنه لا حاجة إلى الإضمار إذا كان الخطاب مع غير من قيل في حقهم : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ فإنه يصير كأنه قال : ذوقوا أيها المكذبون بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم مس سقر يوم يسحب المجرمون المتقدمون في النار. / ثم قال تعالى :
[سورة القمر (٥٤) : آية ٤٩]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)
وفيه مسائل :
الأولى : المشهور أن قوله : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ متعلق بما قبله كأنه قال : ذوقوا فإنا كل شيء خلقناه بقدر، أي هو جزاء لمن أنكر ذلك، وهو كقوله تعالى : ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان : ٤٩] والظاهر أنه ابتداء كلام وتم الكلام عند قوله : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر : ٤٨] ثم ذكر بيان العذاب لأن عطف : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ [القمر : ٥٠] يدل على أن قوله : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ ليس آخر الكلام. ويدل عليه قوله تعالى : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف : ٥٤] وقد ذكر في الآية الأولى الخلق بقوله : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ فيكون من اللائق أن يذكر الأمر فقال : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ وأما ما ذكر من الجدل فنقول النبي صلى اللّه عليه وسلم تمسك عليهم بقوله : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ إلى قوله : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر : ٤٧، ٤٨] وتلا آية أخرى على قصد التلاوة، ولم يقرأ الآية الأخيرة اكتفاء بعلم من علم الآية كما تقول في الاستدلالات : لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ

(١) في النسخة الأميرية والاحتمال الثاني وهو خطأ ظاهر وقد علق عليها بما لا طائل تحته.


الصفحة التالية
Icon