مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٥٢
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٢٢ إلى ٢٣]
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في القراءات التي فيها قرئ يخرج من خرج ويخرج بفتح الراء من أخرج وعلى الوجهين فاللؤلؤ والمرجان مرفوعان ويخرج بكسر الراء بمعنى يخرج اللّه ونخرج بالنون المضمومة والراء المكسورة، وعلى القراءتين ينصب اللؤلؤ والمرجان، اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره وقيل : المرجان هو الحجر الأحمر.
المسألة الثانية : اللؤلؤ لا يخرج إلا من المالح فكيف قال : مِنْهُمَا؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن ظاهر كلام اللّه تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس الذي لا يوثق بقوله، ومن علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح وما وجدوه إلا فيه، لكن لا يلزم من هذا أن لا يوجد في الغير سلمنا لم قلتم : أن الصدف يخرج بأمر اللّه من الماء العذب إلى الماء المالح وكيف يمكن الجزم والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم ثانيهما : أن نقول : إن صح قولهم في اللؤلؤ إنه لا يخرج إلا من البحر المالح فنقول : فيه وجوه أحدها : أن الصدف لا يتولد فيه اللؤلؤ إلا من المطر وهو بحر السماء ثانيها : أنه يتولد في ملتقاهما ثم يدخل الصدف في المالح عند انعقاد الدر فيه طالبا للملوحة كالمتوحمة التي تشتهي الملوحة أوائل / الحمل فيثقل هناك فلا يمكنه الدخول في العذب ثالثها : أن ما ذكرتم إنما كان يرد أن لو قال : يخرج من كل واحد منهما فأما على قوله : يَخْرُجُ مِنْهُمَا لا يرد إذ الخارج من أحدهما مع أن أحدهما مبهم خارج منهما كما قال تعالى :
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح : ١٦] يقال : فلان خرج من بلاد كذا ودخل في بلاد كذا ولم يخرج إلا من موضع من بيت من محلة في بلدة رابعها : أن (من) ليست لابتداء شيء كما يقال : خرجت الكوفة بل لابتداء عقلي كما يقال : خلق آدم من تراب ووجدت الروح من أمر اللّه فكذلك اللؤلؤ يخرج من الماء أي منه يتولد.
المسألة الثالثة : أي نعمة عظيمة في اللؤلؤ والمرجان حتى يذكرهما اللّه مع نعمة تعلم القرآن وخلق الإنسان؟ وفي الجواب قولان : الأول : أن نقول : النعم منها خلق الضروريات كالأرض التي هي مكاننا ولولا الأرض لما أمكن وجود التمكين وكذلك الرزق الذي به البقاء ومنها خلق المحتاج إليه وإن لم يكن ضروريا كأنواع الحبوب وإجراء الشمس والقمر، ومنها النافع وإن لم يكن محتاجا إليه كأنواع الفواكه وخلق البحار من ذلك، كما قال تعالى : وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ [البقرة : ١٦٤] ومنها الزينة وإن لم يكن نافعا كاللؤلؤ والمرجان كما قال تعالى : وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها [فاطر : ١٢] فاللّه تعالى ذكر أنواع النعم الأربعة التي تتعلق بالقوى الجسمانية وصدرها بالقوة العظيمة التي هي الروح وهي العلم بقوله : عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن : ٢] والثاني : أن نقول : هذه بيان عجائب اللّه تعالى لا بيان النعم، والنعم قد تقدم ذكرها هنا، وذلك لأن خلق الإنسان من صلصال، وخلق الجان من نار، من باب العجائب لا من باب النعم، ولو خلق اللّه الإنسان من أي شيء خلقه لكان إنعاما، إذا عرفت هذا فنقول : الأركان أربعة، التراب والماء والهواء والنار فاللّه تعالى


الصفحة التالية
Icon