مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٦١
أمران أحدهما : الوصف بالمعرف باللام أو باسم الإشارة، فتقول : يا أيها الرجل / أو يا أيهذا لا الأعرف منه وهو العلم، لأن بين المبهم الواقع على كل جنس والعلم المميز عن كل شخص تباعد أو ثانيهما : توسط (ها) التنبيه بينه وبين الوصف لأن الأصل في أي الإضافة لما أنه في غاية الإبهام فيحتاج إلى التمييز، وأصل التمييز على ما بينا الإضافة، فوسط بينهما لتعويضه عن الإضافة، والتزم أيضا حذف لام التعريف عند زوال أي فلا تقول : يا الرجل لأن في ذلك تطويلا من غير فائدة، فإنك لا تفيد باللام التنبيه الذي ذكرنا، فقولك : يا رجل مفيد فلا حاجة إلى اللام فهو يوجب إسقاط اللام عند الإضافة المعنوية، فإنها لما أفادت التعريف كان إثبات اللام تطويلا من غير فائدة لكونه جمعا بين المعرفين، وقوله تعالى : الثَّقَلانِ المشهور أن المراد الجن والإنس وفيه وجوه أحدها : أنهما سميا بذلك لكونهما مثقلين بالذنوب ثانيهما : سميا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض فإن التراب وإن لطف في الخلق ليتم خلق آدم لكنه لم يخرج عن كونه ثقيلا، وأما النار فلما ولد فيها خلق الجن كثفت يسيرا، فكما أن التراب لطف يسيرا فكذلك النار صارت ثقيلة، فهما ثقلان فسميا بذلك ثالثها : الثقيل أحدهما : لا غير وسمي الآخر به للمجاورة والاصطحاب كما يقال : العمران والقمران وأحدهما عمر وقمر، أو يحتمل أن يكون المراد العموم بالنوعين الحاصرين، تقول : يا أيها الثقل الذي هو كذا، والثقل الذي ليس كذا، والثقل الأمر العظيم.
قال عليه السلام :«إني تارك فيكم الثقلين».
ثم قال تعالى :
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٣٣ إلى ٣٤]
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في وجه الترتيب وحسنه، وذلك لأنه تعالى لما قال : سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ [الرحمن : ٣١] وبينا أنه لم يكن له شغل فكأن قائلا قال : فلم كان التأخير إذا لم يكن شغل هناك مانع؟ فقال :
المستعجل يستعجل. إما لخوف فوات الأمر بالتأخير وإما لحاجة في الحال، وإما لمجرد الاختيار والإرادة على وجه التأخير، وبين عدم الحاجة من قبل بقوله : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن : ٢٦، ٢٧] لأن ما يبقى بعد فناء الكل لا يحتاج إلى شيء، فبين عدم الخوف من الفوات، وقال : لا يفوتون ولا يقدرون على الخروج من السموات والأرض، ولو أمكن خروجهم عنهما لما خرجوا عن ملك اللّه تعالى فهو آخذهم أين كانوا وكيف كانوا.
المسألة الثانية : المعشر الجماعة العظيمة، وتحقيقه هو أن المعشر العدد الكامل الكثير الذي لا عدد بعده إلا بابتداء فيه حيث يعيد الآحاد ويقول : أحد عشر وإثنا عشر وعشرون وثلاثون، / أي ثلاث عشرات فالمعشر كأنه محل العشر الذي هو الكثرة الكاملة.
المسألة الثالثة : هذا الخطاب في الدنيا أو في الآخرة؟ نقول : الظاهر فيه أنه في الآخرة، فإن الجن والإنس يريدون الفرار من العذاب فيجدون سبعة صفوف من الملائكة محيطين بأقطار السموات والأرض، والأولى ما ذكرنا أنه عام بمعنى لا مهرب ولا مخرج لكم عن ملك اللّه تعالى، وأينما توليتم فثم ملك اللّه، وأينما تكونوا أتاكم حكم اللّه.


الصفحة التالية
Icon