مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٣٨١
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما الحكمة في تأخير ذكر اتكائهم عن ذكر نسائهم في هذا الموضع مع أنه تعالى قدم ذكر اتكائهم على ذكر نسائهم في الجنتين المتقدمتين حيث قال : مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ [الرحمن : ٥٤] ثم قال :
قاصِراتُ الطَّرْفِ [الرحمن : ٥٦] وقال هاهنا : فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ [الرحمن : ٧٠] ثم قال : مُتَّكِئِينَ؟
والجواب عنه من وجهين أحدهما : أن أهل الجنة ليس عليهم تعب وحركة فهم منعمون دائما لكن الناس في الدنيا على أقسام منهم من يجتمع مع أهله اجتماع مستفيض وعند قضاء وطره يستعمل الاغتسال والانتشار في الأرض للكسب، ومنهم من يكون مترددا في طلب الكسب وعند تحصيله يرجع إلى أهله ويريح قلبه من التعب قبل قضاء الوطر فيكون التعب لازما قبل قضاء الوطر أو بعده فاللّه تعالى قال في بيان أهل الجنة : متكئين قبل الاجتماع بأهلهم وبعد الاجتماع كذلك، ليعلم أنهم دائم على السكون فلا تعب لهم لا قبل الاجتماع ولا بعد الاجتماع وثانيهما : هو أنا بينا في الوجهين المتقدمين أن الجنتين المتقدمتين لأهل الجنة الذين جاهدوا والمتأخرين لذرياتهم الذين ألحقوا بهم، فهم فيهما وأهلهم في الخيام منتظرات قدوم أزواجهن، فإذا دخل المؤمن جنته التي هي سكناه يتكئ على الفرش وتنتقل إليه أزواجه الحسان، فكونهن في الجنتين المتقدمتين بعد اتكائهم على الفرش، وأما كونهم في الجنتين المتأخرتين فذلك حاصل في يومنا، واتكاء المؤمن غير حاصل في يومنا، فقدم ذكر كونهن فيهن هنا وأخره هناك. ومُتَّكِئِينَ حال والعامل فيه / ما دل عليه قوله :
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ [الرحمن : ٧٤] وذلك في قوة الاستثناء كأنه قال : لم يطمثهن إلا المؤمنون فإنهم يطمثوهن متكئين وما ذكرنا من قبل في قوله تعالى : مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ [الرحمن : ٥٤] يقال هنا.
المسألة الثانية : الرفرف إما أن يكون أصله من رف الزرع إذا بلغ من نضارته فيكون مناسبا لقوله تعالى :
مُدْهامَّتانِ [الرحمن : ٦٤] ويكون التقدير أنهم متكئون على الرياض والثياب العبقرية، وإما أن يكون من رفرفة الطائر، وهي حومة في الهواء حول ما يريد النزول عليه فيكون المعنى أنهم على بسط مرفوعة كما قال تعالى : وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة : ٣٤] وهذا يدل على أن قوله تعالى : وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ [الرحمن :
٦٢] أنهما دونهما في المكان حيث رفعت فرشهم، وقوله تعالى : خُضْرٍ صيغة جمع فالرفرف يكون جمعا لكونه اسم جنس ويكون واحده رفرفة كحنظلة وحنظل والجمع في متكئين يدل عليه فإنه لما قال : مُتَّكِئِينَ دل على أنهم على رفارف.
المسألة الثالثة : ما الفرق بين الفرش والرفرف حيث لم يقل : رفارف اكتفاء بما يدل عليه قوله :
مُتَّكِئِينَ وقال : فُرُشٍ ولم يكتف بما يدل عليه ذلك؟ نقول : جمع الرباعي أثقل من جمع الثلاثي، ولهذا لم يجيء للجمع في الرباعي إلا مثال واحد وأمثلة الجمع في الثلاثي كثيرة وقد قرئ :(على رفارف خضر)، و(رفارف خضار وعباقر).
المسألة الرابعة : إذا قلنا : إن الرفرف هي البسط فما الفائدة في الخضر حيث وصف تعالى ثياب الجنة بكونها خضرا قال تعالى : ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ؟ [الإنسان : ٢١] نقول : ميل الناس إلى اللون الأخضر في الدنيا أكثر، وسبب الميل إليه هو أن الألوان التي يظن أنها أصول الألوان سبعة وهي الشفاف وهو الذي لا يمنع نفوذ البصر فيه ولا يحجب ما وراءه كالزجاج والماء الصافي وغيرهما ثم الأبيض بعده ثم الأصفر ثم الأحمر ثم


الصفحة التالية
Icon