مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٣٨
المعروف، وعلى هذا فقد قيل : إن أرواح أهل الجنة لا تخرج من الدنيا إلا ويؤتى إليهم بريحان من الجنة يشمونه، وقيل : إن المراد هاهنا غير ذلك وهو الخلود، وقيل : هو رضاء اللَّه تعالى عنهم فإذا قلنا : الروح هو الرحمة فالآية كقوله تعالى : يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة : ٢١] وأما : جَنَّةُ نَعِيمٍ فقد تقدم القول فيها عند تفسير السابقين في قوله : أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة : ١١، ١٢] وذكرنا فائدة التعريف هناك وفائدة التنكير هاهنا.
المسألة الرابعة : ذكر في حق المقربين أمورا ثلاثة هاهنا وفي قوله تعالى : يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ [التوبة : ٢١] وذلك لأنهم أتوا بأمور ثلاثة وهي : عقيدة حقة وكلمة طيبة وأعمال حسنة، فالقلب واللسان والجوارح كلها كانت مرتبة برحمة اللَّه على عقيدته، وكل من له عقيدة حقة يرحمه اللَّه ويرزقه اللَّه دائما وعلى الكلمة الطيبة وهي كلمة الشهادة، وكل من قال : لا إله إلا اللَّه فله رزق كريم والجنة له على أعماله الصالحة، قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة : ١١١] وقال : وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات : ٤٠، ٤١] فإن قيل : فعلى هذا من أتى بالعقيدة / الحقة، ولم يأت بالكلمة الطيبة ينبغي أن يكون من أهل الرحمة ولا يرحم اللَّه إلا من قال : لا إله إلا اللَّه، نقول : من كانت عقيدته حقة، لا بد وأن يأتي بالقول الطيب فإن لم يسمع لا يحكم به، لأن العقيدة لا اطلاع لنا عليها فالقول دليل لنا، وأما اللَّه تعالى فهو عالم الأسرار، ولهذا ورد في الأخبار أن من الناس من يدفن في مقابر الكفار ويحشر مع المؤمنين، ومنهم من يدفن في مقابر المسلمين ويحشر مع الكفار لا يقال : إن من لا يعمل الأعمال الصالحة لا تكون له الجنة على ما ذكرت، لأنا نقول : الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن عقيدته الحقة وكلمته الطيبة لا يتركانه بلا عمل، فهذا أمر غير واقع وفرض غير جائز وثانيهما : أنا نقول من حيث الجزاء، وأما من قال : لا إله إلا اللَّه فيدخل الجنة، وإن لم يعمل عملا لا على وجه الجزاء بل بمحض فضل اللَّه من غير جزاء، وإن كان الجزاء أيضا من الفضل لكن من الفضل ما يكون كالصدقة المبتدأة، ومن الفضل مالا كما يعطي الملك الكريم آخر والمهدي إليه غير ملك لا يستحق هديته ولا رزقه.
ثم قال تعالى :
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٩٠ إلى ٩١]
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١)
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في السلام وفيه وجوه أولها : يسلم به صاحب اليمين على صاحب اليمين، كما قال تعالى من قبل : لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً [الواقعة : ٢٥، ٢٦]، ثانيها : فَسَلامٌ لَكَ أي سلامة لك من أمر خاف قلبك منه فإنه في أعلى المراتب، وهذا كما يقال لمن تعلق قلبه بولده الغائب عنه، إذا كان يخدم عند كريم، يقول له : كن فارغا من جانب ولدك فإنه في راحة. ثالثها : أن هذه الجملة تفيد عظمة حالهم كما يقال : فلان ناهيك به، وحسبك أنه فلان، إشارة إلى أنه ممدوح فوق الفضل.
المسألة الثانية : الخطاب بقوله : لَكَ مع من؟ نقول : قد ظهر بعض ذلك فنقول : يحتمل أن يكون المراد من الكلام النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وحينئذ فيه وجه وهو ما ذكرنا أن ذلك تسلية لقلب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإنهم غير محتاجين


الصفحة التالية
Icon