مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٥٥
المسألة الأولى : أنه تعالى ضمن على هذا القرض الحسن أمرين أحدهما : المضاعفة على ما ذكر في سورة البقرة، وبين أن مع المضاعفة له أجر كريم، وفيه قولان : الأول : وهو قول أصحابنا أن المضاعفة إشارة إلى أنه تعالى يضم إلى قدر الثواب مثله من التفضيل والأجر الكريم / عبارة عن الثواب، فإن قيل : مذهبكم أن الثواب أيضا تفضل فإذا لم يحصل الامتياز لم يتم هذا التفسير الجواب : أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ، أن كل من صدر منه الفعل الفلاني، فله قدر كذا من الثواب، فذاك القدر هو الثواب، فإذا ضم إليه مثله فذلك المثل هو الضعف والقول الثاني : هو قول الجبائي من المعتزلة أن الأعواض تضم إلى الثواب فذلك هو المضاعفة، وإنما وصف الأجر بكونه كريما لأنه هو الذي جلب ذلك الضعف، وبسببه حصلت تلك الزيادة، فكان كريما، من هذا الوجه.
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير وابن عامر :(فيضعفه) مشددة بغير ألف، ثم إن ابن كثير قرأ بضم الفاء وابن عامر بفتح الفاء، وقرأ عاصم (فيضاعفه) بالألف وفتح الفاء، وقرأ نافع وأبو عمر وحمزة والكسائي : فيضاعفه بالألف وضم الفاء، قال أبو علي الفارسي : يضاعف ويضعف بمعنى إنما الشأن في تعليل قراءة الرفع والنصب، أما الرفع فوجه ظاهر لأنه معطوف على يُقْرِضُ، أو على الانقطاع من الأول، كأنه قيل : فهو يضاعف، وأما قراء النصب فوجهها أنه لما قال : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ فكأنه قال : أيقرض اللَّه أحد قرضا حسنا، ويكون قوله :
فَيُضاعِفَهُ جوابا عن الاستفهام فحينئذ ينصب.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٢]
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)
ثم قال تعالى : يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : يَوْمَ تَرَى ظرف لقوله : وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد : ١١] أو منصوب بأذكر تعظيما لذلك اليوم.
المسألة الثانية : المراد من هذا اليوم هو يوم المحاسبة، واختلفوا في هذا النور على وجوه : أحدها : قال قوم : المراد نفس النور على ما
روي عن رسول اللَّه صلى اللّه عليه وسلم :«أن كل مثاب فإنه يحصل له النور على قدر عمله وثوابه في العظم والصغر»
فعلى هذا مراتب الأنوار مختلفة فمنهم من يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء، ومنهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من لا يضيء له نور إلا موضع قدميه، وأدناهم نورا من يكون نوره على إبهامه ينطفئ مرة ويتقد أخرى، وهذا القول منقول عن ابن مسعود، وقتادة وغيرهما، وقال مجاهد : ما من عبد إلا وينادي يوم القيامة يا فلان ها نورك، ويا فلان لا نور لك، نعوذ باللَّه منه، واعلم أنا بينا في سورة النور، أن النور الحقيقي هو اللَّه تعالى، وأن نور العلم الذي هو نور البصيرة أولى بكونه نورا من نور البصر، وإذا كان كذلك ظهر أن معرفة اللَّه هي النور في القيامة فمقادير الأنوار يوم القيامة على حسب مقادير المعارف في الدنيا القول الثاني : أن المراد من النور ما يكون سببا للنجاة، وإنما قال : بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم، ووراء ظهورهم القول الثالث :
المراد بهذا النور الهداية إلى الجنة، كما يقال / ليس لهذا الأمر نور، إذا لم يكن المقصود حاصلا، ويقال : هذا


الصفحة التالية
Icon