مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٦٢
متروكا على قراءة التخفيف والثاني : أن المتصدق هو الذي يقرض اللَّه، فيصير قوله : إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وقوله : وَأَقْرَضُوا اللَّهَ شيئا واحدا وهو تكرار، أما على قراءة التخفيف فإنه لا يلزم التكرار، وحجة من نقل وجهان أحدهما : أن في قراءة أبي : إن المتصدقين والمتصدقات بالتاء والثاني : أن قوله :
وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً اعتراض بين الخبر والمخبر عنه، والاعتراض بمنزلة الصفة، فهو للصدقة أشد ملازمة / منه للتصديق، وأجاب الأولون : بأنا لا نحمل قوله : وَأَقْرَضُوا على الاعتراض، ولكنا نعطفه على المعنى، ألا ترى أن المصدقين والمصدقات معناه : إن الذين صدقوا، فصار تقدير الآية : إن الذين صدقوا وأقرضوا اللَّه.
المسألة الثانية : في الآية إشكال وهو أن عطف الفعل على الاسم قبيح فما الفائدة في التزامه هاهنا؟ قال صاحب الكشاف قوله : وَأَقْرَضُوا معطوف على معنى الفعل في المصدقين، لأن اللام بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى صدقوا، كأنه قيل : إن الذين صدقوا وأقرضوا، واعلم أن هذا لا يزيل الإشكال فإنه ليس فيه بيان أنه لم عدل عن ذلك اللفظ إلى هذا اللفظ، والذي عندي فيه أن الألف واللام في المصدقين والمصدقات للمعهود، فكأنه ذكر جماعة معينين بهذا الوصف ثم قبل ذكر الخبر أخبر عنهم بأنهم أتوا بأحسن أنواع الصدقة وهو الإتيان بالقرض الحسن، ثم ذكر الخبر بعد ذلك وهو قوله : يُضاعَفُ لَهُمْ فقوله : وَأَقْرَضُوا اللَّهَ هو المسمى بحشو اللوزنج كما في قوله :
إن الثمانين وبلغتها [قد أحوجت سمعي إلى ترجمان ]
المسألة الثالثة : من قرأ : الْمُصَّدِّقِينَ بالتشديد اختلفوا في أن المراد هو الواجب أو التطوع أو هما جميعا، أو المراد بالتصدق الواجب وبالإقراض التطوع لأن تسميته بالقرض كالدلالة على ذلك فكل هذه الاحتمالات مذكورة، أما قوله : يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ فقد تقدم القول فيه.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ١٩]
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩)
اعلم أنه تعالى ذكر قبل هذه الآية حال المؤمنين والمنافقين، وذكر الآن حال المؤمنين وحال الكافرين، ثم في الآية مسألتان :
المسألة الأولى : الصديق نعت لمن كثر منه الصدق، وجمع صدقا إلى صدق في الإيمان باللَّه تعالى ورسله وفي هذه الآية قولان : أحدهما : أن الآية عامة في كل من آمن باللَّه ورسله وهو مذهب مجاهد قال : كل من آمن باللَّه ورسله فهو صديق ثم قرأ هذه الآية، ويدل على هذا ما روي عن ابن عباس في قوله : هُمُ الصِّدِّيقُونَ أي الموحدون الثاني : أن الآية خاصة، وهو قول المقاتلين : أن الصديقين هم الذين آمنوا بالرسل حين أتوهم ولم يكذبوا ساعة قط مثل آل ياسين، ومثل مؤمن آل فرعون، وأما في ديننا فهم ثمانية سبقوا أهل الأرض إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر ألحقه اللَّه بهم لما عرف من صدق نيته.
المسألة الثانية : قوله : وَالشُّهَداءُ فيه قولان : الأول : أنه عطف على الآية الأولى والتقدير : إن الذين


الصفحة التالية
Icon