مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٧٥
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨)
اعلم أنه لما قال في الآية الأولى : فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أي من قوم عيسى : أَجْرَهُمْ [الحديد :
٢٧] قال في هذه الآية : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا والمراد به أولئك فأمرهم أن يتقوا اللَّه ويؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام ثم قال : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي نصيبين من رحمته لإيمانكم أولا بعيسى، وثانيا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ونظيره قوله تعالى : أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ [القصص : ٥٤] عن ابن عباس أنه نزل في قوم جاءوا من اليمن من أهل الكتاب إلى الرسول وأسلموا فجعل اللَّه لهم أجرين، وهاهنا سؤالان :
السؤال الأول : ما الكفل في اللغة؟ الجواب : قال المؤرج : الكفل النصيب بلغة هذيل وقال غيره بل هذه لغة الحبشة، وقال المفضل بن مسلمة : الكفل كساء يديره الراكب حول السنام حتى يتمكن من العقود على البعير.
السؤال الثاني : أنه تعالى لما آتاهم كفلين وأعطى المؤمنين كفلا واحدا كان حالهم أعظم والجواب :
روي أن أهل الكتاب افتخروا بهذا السبب على المسلمين،
وهو ضعيف لأنه لا يبعد أن يكون النصيب الواحد أزيد قدرا من النصيبين، فإن المال إذا قسم بنصفين كان الكفل الواحد نصفا، وإذا قسم بمائة قسم كان الكفل الواحد جزء من مائة جزء، فالنصيب الواحد من القسمة الأولى أزيد من عشرين نصيبا من القسمة الثانية، فكذا هاهنا، ثم قال تعالى : وَيَجْعَلْ لَكُمْ أي يوم القيامة نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وهو النور المذكور في قوله يَسْعى نُورُهُمْ [الحديد : ١٢] وَيَغْفِرْ لَكُمْ ما أسلفتم من المعاصي وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة الحديد (٥٧) : آية ٢٩]
لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال الواحدي هذه الآية مشكلة وليس للمفسرين فيها كلام واضح في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها.
واعلم أن أكثر المفسرين على أن (لا) هاهنا صلة زائدة، والتقدير : ليعلم أهل الكتاب، وقال أبو مسلم الأصفهاني وجمع آخرون : هذه الكلمة ليس بزائدة، ونحن نفسر الآية على القولين بعون اللَّه تعالى وتوفيقه.
أما القول المشهور : وهو أن هذه اللفظة زائدة، فاعلم أنه لا بد هاهنا من تقديم مقدمة وهي : أن أهل الكتاب وهم بنو إسرائيل كانوا يقولون : الوحي والرسالة فينا، والكتاب والشرع ليس إلا لنا، واللَّه تعالى خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين، إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لما أمر أهل الكتاب بالإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام وعدهم / بالأجر العظيم على ذلك الإيمان أتبعه بهذه الآية، والغرض منها أن يزيل عن قلبهم اعتقادهم بأن النبوة مختصة بهم وغير حاصلة إلا في قومهم، فقال : إنما بالغنا في هذا البيان، وأطنبنا في الوعد والوعيد ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل اللَّه بقوم معينين، ولا يمكنهم حصر الرسالة


الصفحة التالية
Icon