مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٤٨٥
المسألة الأولى : اختلفوا فيما يحرمه الظهار، فللشافعي قولان : أحدهما : أنه يحرم الجماع فقط القول الثاني : وهو الأظهر أنه يحرم جميع جهات الاستمتاعات وهو قول أبي حنيفة رحمه اللَّه ودليله وجوه الأول : قوله تعالى : فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فكان ذلك عاما في جميع ضروب المسيس، من لمس بيد أو غيرها والثاني : قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ألزمه حكم التحريم بسبب أنه شبهها بظهر الأم، فكما أن مباشرة ظهر الأم ومسه يحرم عليه، فوجب أن يكون الحال في المرأة كذلك الثالث :
روى عكرمة :«أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره بذلك فقال اعتزلها حتى تكفر».
المسألة الثانية : اختلفوا فيمن ظاهر مرارا، فقال الشافعي وأبو حنيفة : لكن ظاهر كفارة إلا أن يكون في مجلس واحد، وأراد بالتكرار التأكيد، فإنه يكون عليه كفارة واحدة، وقال مالك : من ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة مائة فليس عليه إلا كفارة واحدة، دليلنا أن قوله تعالى : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ...
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يقتضي كون الظهار علة لإيجاب الكفارة، فإذا وجد الظهار الثاني فقد وجدت علة وجوب الكفارة، والظاهر الثاني إما أن يكون علة للكفارة الأولى، أو لكفارة ثانية والأول باطل لأن الكفارة وجبت بالظهار الأول وتكوين الكائن محال، ولأن تأخر العلة عن الحكم محال، فعلمنا أن الظهار الثاني يوجب كفارة / ثانية، واحتج مالك بأن قوله : وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ يتناول من ظاهر مرة واحدة، ومن ظاهر مرارا كثيرة، ثم إنه تعالى أوجب عليه تحرير رقبة، فعلمنا أن التكفير الواحد كاف في الظهار، سواء كان مرة واحدة أو مرارا كثيرة والجواب : أنه تعالى قال : لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [المائدة : ٨٩] فهذا يقتضي أن لا يجب في الأيمان الكثيرة إلا كفارة واحدة، ولما كان باطلا، فكذا ما قلتموه.
المسألة الثالثة : رجل تحته أربعة نسوة فظاهر منهن بكلمة واحدة وقال : أنتن علي كظهر أمي، للشافعي قولان : أظهرهما أنه يلزمه أربع كفارات، نظرا إلى عدد اللواتي ظاهر منهن، ودليله ما ذكرنا، أنه ظاهر عن هذه، فلزمه كفارة بسبب هذا الظهار، وظاهر أيضا عن تلك، فالظهار الثاني لا بد وأن يوجب كفارة أخرى.
المسألة الرابعة : الآية تدل على إيجاب الكفارة قبل المماسة، فإن جامع قبل أن يكفر لم يجب عليه إلا كفارة واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، كمالك وأبي حنيفة والشافعي وسفيان وأحمد وإسحاق رحمهم اللَّه، وقال بعضهم : إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان، وهو قول عبد الرحمن بن مهدي دليلنا أن الآية دلت على أنه يجب على المظاهر كفارة قبل العود، فههنا فاتت صفة القبلية، فيبقى أصل وجوب الكفارة، وليس في الآية دلالة على أن ترك التقديم يوجب كفارة أخرى.
المسألة الخامسة : الأظهر أنه لا ينبغي للمرأة أن تدعه يقربها حتى يكفر، فإن تهاون بالتكفير حال الإمام بينه وبينها ويجبره على التكفير، وإن كان بالضرب حتى يوفيها حقها من الجماع، قال الفقهاء : ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها، لأن ترك التكفير إضرار بالمرأة وامتناع من إيفاء حقها.
المسألة السادسة : قال أبو حنيفة رحمه اللَّه هذه الرقبة تجزئ سواء كانت مؤمنة أو كافرة، لقوله تعالى :
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فهذا اللفظ يفيد العموم في جميع الرقاب، وقال الشافعي : لا بد وأن تكون مؤمنة ودليله وجهان


الصفحة التالية
Icon