مفاتيح الغيب، ج ٢٩، ص : ٥٢٣
البحث الرابع : كيف سمى الظن علما في قوله : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ؟ نقول : إنه من باب أن الظن الغالب وما يفضي إليه الاجتهاد، والقياس جار مجرى العلم، وأن صاحبه غير داخل في قوله : وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء : ٣٦]. ثم قال تعالى :
[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١١]
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١)
روى عن الزهري ومسروق أن من حكم اللَّه تعالى أن يسأل المسلمون من الكفار مهر المرأة المسلمة إذا صارت إليهم، ويسأل الكفار من المسلمين مهر من صارت إلينا من نسائهم مسلمة، فأقر المسلمون بحكم اللَّه وأبي المشركون فنزلت : وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ أي سبقكم وانفلت / منكم، قال الحسن ومقاتل :
نزلت في أم حكيم بنت أبي سفيان ارتدت وتركت زوجها عباس بن تميم القرشي، ولم ترتد امرأة من غير قريش غيرها، ثم عادت إلى الإسلام، وقوله تعالى : فَعاقَبْتُمْ أي فغنمتم، على قول ابن عباس ومسروق ومقاتل، وقال أبو عبيدة أصبتم منهم عقبى، وقال المبرد فَعاقَبْتُمْ أي فعلتم ما فعل بكل يعني ظفرتم، وهو من قولك :
العقبى لفلان، أي العاقبة، وتأويل العاقبة الكرة الأخيرة، ومعنى عاقبتم : غزوتم معاقبين غزوا بعد غزو، وقيل :
كانت العقبى لكم والغلبة، فأعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا عليهن من المهر، وهو قوله : فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا، وقرئ :(فأعقبتم) و(فعقبتم) بالتشديد، و(فعقبتم) بالتخفيف بفتح / القاف وكسرها.
[سورة الممتحنة (٦٠) : آية ١٢]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢)
روي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر أسفل منه يبايع النساء بأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويبلغهن عنه، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متقنعة متنكرة خوفا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يعرفها، فقال عليه الصلاة والسلام :«أبايعكن على أن لا تشركن باللَّه شيئا، فرفعت هند رأسها وقالت : واللَّه لقد عبدنا الأصنام وإنك لتأخذ علينا أمرا ما رأينا أخذته على الرجال، تبايع الرجال على الإسلام والجهاد فقط، فقال عليه الصلاة والسلام : ولا تسرقن، فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصبت من ماله هناة فما أدري أتحل لي أم لا؟ فقال : أبو سفيان ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال، فضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعرفها، فقال لها : وإنك لهند بنت عتبة، قالت : نعم فاعف عما سلف يا نبي اللَّه عفا اللَّه عنك، فقال : ولا تزنين، فقالت : أتزن الحرة، وفي رواية ما زنت منهن امرأة قط، فقال : ولا تقتلن أولادكن، فقالت : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر رضي اللَّه عنه حتى استلقى، وتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال : ولا تأتين ببهتان تفترينه، وهو أن تقذف على زوجها ما ليس منه، فقالت هند : واللَّه / إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال : ولا


الصفحة التالية
Icon