مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٤٢
الآخرة، وهو حضور الجمعة، لأن الدنيا ومتاعها فانية والآخرة وما فيها باقية، قال تعالى : وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى [الأعلى : ١٧] ووجه آخر في التعلق، قال بعضهم : قد أبطل اللَّه قول اليهود في ثلاث، افتخروا بأنهم أولياء اللَّه واحباؤه، فكذبهم بقوله : فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الجمعة : ٦] وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا كتاب لهم، فشبههم بالحمار يحمل أسفارا، وبالسبت وليس للمسلمين مثله فشرع اللَّه تعالى لهم الجمعة، وقوله تعالى : إِذا نُودِيَ يعني النداء إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة وهو قول مقاتل، وأنه كما قال لأنه لم يكن في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نداء سواء كان إذا جلس عليه الصلاة والسلام على المنبر أذن بلال على باب المسجد، وكذا على عهد أبي بكر وعمر، وقوله تعالى : لِلصَّلاةِ أي لوقت الصلاة يدل عليه قوله :
مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ولا تكون الصلاة من اليوم، وإنما يكون وقتها من اليوم، قال الليث : الجمعة يوم خص به لاجتماع الناس في ذلك اليوم، ويجمع على الجمعات والجمع، وعن سلمان رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم :«سميت الجمعة جمعة لأن آدم جمع فيها خلقه»
وقيل : لما أنه تعالى فرغ فيها من خلق الأشياء، فاجتمعت فيها المخلوقات. قال الفراء : وفيها ثلاث لغات التخفيف، وهي قراءة الأعمش والتثقيل، وهي قراءة العامة، ولغة لبني عقيل، وقوله تعالى : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ أي فامضوا، وقيل : فامشوا وعلى هذا معنى، السعي : المشي لا العدو، وقال الفراء : المضي والسعي والذهاب في معنى واحد، وعن عمر أنه سمع رجلا يقرأ : فَاسْعَوْا قال من أقرأك هذا، قال : أبي، قال : لا يزال يقرأ بالمنسوخ، لو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي، وقيل : المراد بالسعي القصد دون العدو، والسعي التصرف في كل عمل، ومنه قوله تعالى :
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قال الحسن : واللَّه ما هو سعي على الأقدام ولكنه سعي بالقلوب، وسعي بالنية، وسعي بالرغبة، ونحو هذا، والسعي هاهنا هو العمل عند قوم، وهو مذهب مالك والشافعي، إذ السعي في كتاب اللَّه العمل، قال تعالى : وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ [البقرة : ٢٠٥] وإِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [الليل : ٤] أي العمل، وروي عنه صلى اللَّه عليه وسلم :«إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن ائتوها وعليكم السكينة»
واتفق الفقهاء على :«أن النبي [كان ] متى أتى الجمعة أتى على هينة» وقوله : إِلى ذِكْرِ اللَّهِ الذكر هو الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير، وقيل : هو الصلاة، وأما الأحكام المتعلقة بهذه الآية فإنها تعرف من الكتب الفقهية، وقوله تعالى : وَذَرُوا الْبَيْعَ قال الحسن : إذا أذن المؤذن يوم الجمعة لم يحل الشراء والبيع، وقال عطاء : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء، / وقال الفراء إنما حرم البيع والشراء إذا نودي للصلاة لمكان الاجتماع ولندرك له كافة الحسنات، وقوله تعالى : ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي في الآخرة إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ما هو خير لكم وأصلح، وقوله تعالى : فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أي إذا صليتم الفريضة يوم الجمعة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ هذا صيغة الأمر بمعنى الإباحة لما أن إباحة الانتشار زائلة بفرضية أداء الصلاة، فإذا زال ذلك عادت الإباحة فيباح لهم أن يتفرقوا في الأرض ويبتغوا من فضل اللَّه، وهو الرزق، ونظيره : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة : ١٩٨]، وقال ابن عباس : إذا فرغت من الصلاة فإن شئت فاخرج، وإن شئت فصل إلى العصر، وإن شئت فاقعد، كذلك قوله : وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فإنه صيغة أمر بمعنى الإباحة أيضا لجلب الرزق بالتجارة بعد المنع، بقوله تعالى : وَذَرُوا الْبَيْعَ وعن مقاتل : أحل لهم ابتغاء الرزق بعد الصلاة، فمن شاء خرج. ومن شاء لم يخرج، وقال مجاهد : إن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، وقال الضحاك، هو إذن من اللَّه تعالى إذا فرغ، فإن شاء خرج، وإن شاء قعد، والأفضل في الابتغاء من فضل اللَّه أن يطلب الرزق، أو الولد الصالح أو العلم النافع


الصفحة التالية
Icon