مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٤٣
وغير ذلك من الأمور الحسنة، والظاهر هو الأول، وعن عراك بن مالك أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد [و] قال : اللهم أجبت دعوتك، وصليت فرضيتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وقوله تعالى : وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً قال مقاتل : باللسان، وقال سعيد بن جبير :
بالطاعة وقال مجاهد : لا يكون من الذاكرين كثيرا حتى يذكره قائما وقاعدا ومضطجعا، والمعنى إذا رجعتم إلى التجارة وانصرفتم إلى البيع والشراء مرة أخرى فاذكروا اللَّه كثيرا، قال تعالى : رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وعن عمر رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم :«إذا أتيتم السوق فقولوا لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن من قالها كتب اللَّه له ألف ألف حسنة وحط عنه ألف ألف خطيئة ورفع له ألف ألف درجة»
وقوله تعالى : لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ من جملة ما قد مر مرارا، وفي الآية مباحث :
البحث الأول : ما الحكمة في أن شرع اللَّه تعالى في يوم الجمعة هذا التكليف؟ فنقول : قال القفال : هي أن اللَّه عز وجل خلق الخلق فأخرجهم من العدم إلى الوجود وجعل منهم جمادا وناميا وحيوانا، فكان ما سوى الجماد أصنافا، منها بهائم وملائكة وجن وإنس، ثم هي مختلفة المساكن من العلو والسفل فكان أشرف العالم السفلي هم الناس لعجيب تركيبهم، ولما كرمهم اللَّه تعالى به من النطق، وركب فيهم من العقول والطباع التي بها غاية التعبد بالشرائع، ولم يخف موضع عظم المنة وجلالة قدر الموهبة لهم فأمروا بالشكر على هذه الكرامة في يوم من الأيام السبعة التي فيها أنشئت الخلائق وتم وجودها، ليكون في اجتماعهم في ذلك اليوم تنبيه على عظم ما أنعم اللَّه تعالى به عليهم، وإذا كان شأنهم لم يخل من حين ابتدئوا من نعمة تتخللهم، وإن منة اللَّه مثبتة عليهم / قبل استحقاقهم لها، ولكل أهل ملة من الملل المعروفة يوم منها معظم، فلليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد، وللمسلمين يوم الجمعة،
روي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال :«يوم الجمعة هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا اللَّه له فلليهود غدا وللنصارى بعد غد»
ولما جعل يوم الجمعة يوم شكر وإظهار سرور وتعظيم نعمة احتيج فيه إلى الاجتماع الذي به تقع شهرته فجمعت الجماعات له كالسنة في الأعياد، واحتيج فيه إلى الخطبة تذكيرا بالنعمة وحثا على استدامتها بإقامة ما يعود بآلاء الشكر، ولما كان مدار التعظيم، إنما هو على الصلاة جعلت الصلاة لهذا اليوم وسط النهار ليتم الاجتماع ولم تجز هذه الصلاة إلا في مسجد واحد ليكون أدعى إلى الاجتماع واللَّه أعلم.
الثاني : كيف خص ذكر اللَّه بالخطبة، وفيها ذكر اللَّه وغير اللَّه؟ نقول : المراد من ذكر اللَّه الخطبة والصلاة لأن كل واحدة منهما مشتملة على ذكر اللَّه، وأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة والثناء عليهم والدعاء لهم فذلك ذكر الشيطان.
الثالث : قوله : وَذَرُوا الْبَيْعَ لم خص البيع من جميع الأفعال؟ نقول : لأنه من أهم ما يشتغل به المرء في النهار من أسباب المعاش، وفيه إشارة إلى ترك التجارة، ولأن البيع والشراء في الأسواق غالبا، والغفلة على أهل السوق أغلب، فقوله : وَذَرُوا الْبَيْعَ تنبيه للغافلين، فالبيع أولى بالذكر ولم يحرم لعينه، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة.
الرابع : ما الفرق بين ذكر اللَّه أولا وذكر اللَّه ثانيا؟ فنقول : الأول من جملة مالا يجتمع مع التجارة أصلا إذ


الصفحة التالية
Icon