مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٥٩
غير جماع، وهذا قول مجاهد وعكرمة ومقاتل والحسن، قالوا : أمر اللَّه تعالى الزوج بتطليق امرأته إذا شاء الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، وهو قوله تعالى : لِعِدَّتِهِنَّ أي لزمان عدتهن، وهو الطهر بإجماع الأمة، وقيل : لإظهار عدتهن وجماعة من المفسرين قالوا : الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرة من غير جماع، وبالجملة، فالطلاق في حال الطهر لازم، وإلا لا يكون الطلاق سنيا، والطلاق في السنة إنما يتصور في البالغة المدخول بها غير الآيسة والحامل، إذ لا سنة في الصغير وغير المدخول بها، والآيسة والحامل، ولا بدعة أيضا لعدم العدة بالأقراء، وليس في عدد الطلاق سنة وبدعة، على مذهب الشافعي حتى لو طلقها ثلاثا في طهر صحيح لم يكن هذا بدعيا بخلاف ما ذهب إليه أهل العراق، فإنهم قالوا : السنة في عدد الطلاق أن يطلق كل طلقة في طهر صحيح. وقال صاحب «النظم» : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ صفة للطلاق كيف يكون، وهذه اللام تجيء لمعان مختلفة للإضافة وهي أصلها، ولبيان السبب والعلة كقوله تعالى : إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان : ٩] وبمنزلة عند مثل قوله : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء : ٧٨] أي عنده، وبمنزلة في مثل قوله تعالى :
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر : ٢] وفي هذه الآية بهذا المعنى، لأن المعنى فطلقوهن في عدتهن، أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن فقال صاحب «الكشاف» :
فطلقوهن مستقبلات لعدتهن كقوله : أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلا لها، وفي قراءة النبي صلى اللَّه عليه وسلم :(من قبل عدتهن)
فإذا طلقت المرأة في الطهر المتقدم للقرء الأول من أقرائها فقد طلقت مستقبلة العدة، المراد أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه، يخلين إلى أن تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق وأدخله في السنة وأبعده من الندم ويدل عليه ما روي عن إبراهيم النخعي أن أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانوا يستحبون «١» أن لا يطلقوا أزواجهم للسنة إلا واحدة ثم لا يطلقوا غير ذلك حتى تنقضي العدة وكان أحسن «٢» عندهم من أن يطلق الرجل ثلاث تطليقات، وقال مالك بن أنس : لا أعرف طلاقا إلا واحدة، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو متفرقة، وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد، وروي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض : ما هكذا أمرك اللَّه تعالى إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالا وتطلقها لكل قرء تطليقة
وعند الشافعي لا بأس بإرسال الثلاث، وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح فمالك يراعى في طلاق السنة الواحدة والوقت، وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت، والشافعي يراعي الوقت وحده، وقوله تعالى : وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ أي أقراءها فاحتفظوا لها واحفظوا الحقوق والأحكام التي تجب في العدة واحفظوا نفس ما تعتدون به وهو عدد الحيض، ثم جعل الإحصاء إلى الأزواج يحتمل وجهين أحدهما : أنهم هم الذين يلزمهم الحقوق والمؤمن وثانيهما : ليقع / تحصن الأولاد في العدة، ثم في الآية مباحث :
الأول : ما الحكمة في إطلاق السنة وإطلاق البدعة؟ نقول : إنما سمي بدعة لأنها إذا كانت حائضا لم تعتد بأيام حيضها عن عدتها بل تزيد على ثلاثة أقراء فتطول العدة عليها حتى تصير كأنها أربعة أقراء وهي في الحيض الذي طلقت فيه في صورة المعلقة التي لا هي معتدة ولا ذات بعل والعقول تستقبح الإضرار، وإذا كانت طاهرة مجامعة لم يؤمن أن قد علقت من ذلك الجمع بولد ولو علم الزوج لم يطلقها، وذلك أن الرجل قد يرغب في

(١) في مطبوع التفسير الكبير للرازي (يستحيون) والمثبت من الكشاف للزمخشري (٤ / ١١٨. ط. دار الفكر).
(٢) في مطبوع التفسير الكبير للرازي (و ما كان أخس) والمثبت من المرجع السابق.


الصفحة التالية
Icon