مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٧٤
البحث الأول : كيف تعلق يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بما سبق وهو قوله : يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا [التحريم :
٧]؟ فنقول : نبههم تعالى على دفع العذاب في ذلك اليوم بالتوبة في هذا اليوم، إذ في ذلك اليوم لا تفيد وفيه لطيفة : وهي أن التنبيه على الدفع بعد الترهيب فيما مضى يفيد الترغيب بذكر أحوالهم والإنعام في حقهم وإكرامهم.
البحث الثاني : أنه تعالى لا يخزي النبي في ذلك اليوم ولا الذين آمنوا، فما الحاجة إلى قوله مَعَهُ؟
فنقول : هي إفادة الاجتماع، يعني لا يخزي اللّه المجموع الذي يسعى نورهم وهذه فائدة عظيمة، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا وبين نبيهم تشريف في حقهم وتعظيم.
البحث الثالث : قوله : وَاغْفِرْ لَنا يوهم أن الذنب لازم لكل واحد من المؤمنين والذنب لا يكون لازما، فنقول : يمكن أن يكون طلب المغفرة لما هو اللازم لكل ذنب، وهو التقصير في الخدمة والتقصير لازم لكل واحد من المؤمنين.
البحث الرابع : قال تعالى في أول السورة : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ [التحريم : ١] ومن بعده يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ خاطبه بوصفه وهو النبي لا باسمه كقوله لآدم يا آدم، ولموسى يا موسى ولعيسى يا عيسى، نقول : خاطبه بهذا الوصف، ليدل على فضله عليهم وهذا ظاهر.
البحث الخامس : قوله تعالى : وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ يدل على أن مصيرهم بئس المصير مطلقا إذ المطلق يدل على الدوام، وغير المطلق لا يدل لما أنه يطهرهم عن الآثام. ثم قال تعالى :
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١٠ إلى ١١]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١)
قوله : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أي بين حالهم بطريق التمثيل أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم من غير اتقاء ولا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كانوا فيه من القرابة بينهم وبين نبيهم وإنكارهم للرسول صلى اللّه عليه وسلم فيما جاء به من عند اللّه وإصرارهم عليه، وقطع العلائق، وجعل الأقارب من جملة الأجانب بل أبعد منهم وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا كحال امرأة نوح ولوط، لما خانتاهما لم يغن هذان الرسولان وقيل لهما في اليوم الآخر ادخلا النار ثم بين حال المسلمين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم كحال امرأة فرعون ومنزلتها عند اللّه تعالى مع كونها زوجة ظالم من أعداء اللّه تعالى، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة، والاصطفاء على نساء العالمين مع أن قومها كانوا كفارا، وفي ضمن هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين، وهما حفصة وعائشة لما فرط منهما وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده لما في التمثيل من ذكر الكفر، وضرب مثلا آخر في امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، وقيل : هي عمة موسى عليه السلام آمنت حين سمعت قصة إلقاء موسى عصاه، وتلقف العصا، فعذبها فرعون عذابا شديدا بسبب الإيمان،


الصفحة التالية
Icon