مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٧٥
وعن أبي هريرة أنه وتدها بأربعة أوتاد، واستقبل بها الشمس، وألقى عليها صخرة عظيمة، فقالت : رب نجني من فرعون فرقى بروحها إلى الجنة، فألقيت الصخرة على / جسد لا روح فيه، قال الحسن. رفعها إلى الجنة تأكل فيها وتشرب، وقيل : لما قالت : رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ رأت بيتها في الجنة يبنى لأجلها، وهو من درة واحدة، واللّه أعلم كيف هو وما هو؟ وفي الآية مباحث :
البحث الأول : ما فائدة قوله تعالى مِنْ عِبادِنا؟ نقول : هو على وجهين أحدهما : تعظيما لهم كما مر الثاني : إظهارا للعبد بأنه لا يترجح على الآخر عنده إلا بالصلاح.
البحث الثاني : ما كانت خيانتهما؟ نقول : نفاقهما وإخفاؤهما الكفر، وتظاهرهما على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه إنه لمجنون وامرأة لوط كانت تدل على نزول ضيف إبراهيم، ولا يجوز أن تكون خيانتهما بالفجور، وعن ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط، وقيل : خيانتهما في الدين.
البحث الثالث : ما معنى الجمع بين عِنْدَكَ وفِي الْجَنَّةِ؟ نقول : طلبت القرب من رحمة اللّه ثم بينت مكان القرب بقولها : فِي الْجَنَّةِ أو أرادت ارتفاع درجتها في جنة المأوى التي هي أقرب إلى العرش. ثم قال تعالى :
[سورة التحريم (٦٦) : آية ١٢]
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢)
أحصنت أي عن الفواحش لأنها قذفت بالزنا. والفرج حمل على حقيقته، قال ابن عباس : نفخ جبريل في جيب الدرع ومده بإصبعيه ونفخ فيه، وكل ما في الدرع من خرق ونحوه فإنه يقع عليه اسم الفرج، وقيل :
أَحْصَنَتْ تكلفت في عفتها، والمحصنة العفيفة : فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا أي فرج ثوبها، وقيل : خلقنا فيه ما يظهر به الحياة في الأبدان. وقوله : فِيهِ أي في عيسى، ومن قرأ (فيها) أي في نفس عيسى والنفث مؤنث، وأما التشبيه بالنفخ فذلك أن الروح إذا خلق فيه انتشر في تمام الجسد كالريح إذا نفخت في شيء، وقيل : بالنفخ لسرعة دخوله فيه نحو الريح وصدقت بكلمات ربها. قال مقاتل : يعني بعيسى، ويدل عليه قراءة الحسن (بكلمة ربها) وسمى عيسى (كلمة اللّه) في مواضع من القرآن. وجمعت تلك الكلمة هنا، وقال أبو علي الفارسي :
الكلمات الشرائع التي شرع لها دون القول، فكأن المعنى صدقت الشرائع وأخذت بها وصدقت الكتب فلم تكذب والشرائع سميت بكلمات كما في قوله تعالى : وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ [البقرة : ١٢٤] وقوله تعالى : صَدَّقَتْ قرئ بالتخفيف والتشديد على أنها جعلت الكلمات والكتب صادقة يعني وصفتها بالصدق، وهو معنى التصديق بعينه، وقرئ (كلمة) و(كلمات)، و(كتبه) و(كتابه)، والمراد بالكتاب هو الكثرة والشياع أيضا قوله تعالى : وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ الطائعين قاله ابن عباس، وقال عطاء : من المصلين، وفي الآية مباحث.
البحث الأول : ما كلمات اللّه وكتبه؟ نقول : المراد بكلمات اللّه الصحف المنزلة على إدريس وغيره، وبكتبه الكتب الأربعة، وأن يراد جميع ما كلم اللّه تعالى (به) «١» ملائكته وما كتبه في اللوح المحفوظ وغيره،

(١) ما بين الهلالين زيادة من الكشاف للزمخشري (٤ / ١٣٢ ط. دار الفكر).


الصفحة التالية
Icon