مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٨١
والصواب أن يكون على السنة وثانيها :
قال قتادة : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال :«يقول أيكم أحسن عقلا» ثم قال : أتمكم عقلا أشدكم للّه خوفا وأحسنكم فيما أمر اللّه به ونهى عنه نظرا،
وإنما جاز أن يفسر حسن العمل بتمام العقل لأنه يترتب على العقل، فمن كان أتم عقلا كان أحسن عملا على ما ذكر في حديث قتادة وثالثها :
روي عن الحسن أيكم أزهد في الدنيا وأشد تركا لها، واعلم أنه لما ذكر حديث الابتلاء قال بعده : وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ أي وهو العزيز الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل، الغفور لمن تاب من أهل الإساءة.
واعلم أن كونه عزيزا غفورا لا يتم إلا بعد كونه قادرا على كل المقدورات عالما بكل المعلومات أما أنه لا بد من القدرة التامة، فلأجل أن يتمكن من إيصال جزاء كل أحد بتمامه إليه سواء كان عقابا أو ثوابا، وأما أنه لا بد من العلم التام فلأجل أن يعلم أن المطيع من هو والعاصي من هو فلا يقع الخطأ في إيصال الحق إلى مستحقه، فثبت أن كونه عزيزا غفورا لا يمكن ثبوتها إلا بعد ثبوت / القدرة التامة والعلم التام، فلهذا السبب ذكر اللّه الدليل على ثبوت هاتين الصفتين في هذا المقام، ولما كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدما على العلم بكونه عالما، لا جرم ذكر أولا دلائل القدرة وثانيا دلائل العلم.
[سورة الملك (٦٧) : آية ٣]
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣)
أما دليل القدرة فهو قوله : الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكر صاحب «الكشاف» في طِباقاً ثلاثة أوجه أولها : طباقا أي مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق، وهذا وصف بالمصدر وثانيها : أن يكون التقدير ذات طباق وثالثها : أن يكون التقدير طوبقت طباقا.
المسألة الثانية : دلالة هذه السموات على القدرة من وجوه أحدها : من حيث إنها بقيت في جو الهواء معلقة بلا عماد ولا سلسلة وثانيها : من حيث إن كل واحد منها اختص بمقدار معين مع جواز ما هو أزيد منه وأنقص وثالثها : أنه اختص كل واحد منها بحركة خاصة مقدرة بقدر معين من السرعة والبطء إلى جهة معينة ورابعها : كونها في ذواتها محدثة وكل ذلك يدل على استنادها إلى قادر تام القدرة.
وأما دليل العلم فهو قوله : ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي من تفوت والباقون مِنْ تَفاوُتٍ، قال الفراء : وهما بمنزله واحدة مثل تظهر وتظاهر، وتعهد وتعاهد، وقال الأخفش : تَفاوُتٍ أجود لأنهم يقولون : تفاوت الأمر ولا يكادون يقولون : تفوت، واختار أبو عبيدة : تفوت، وقال : يقال تفوت الشيء إذا فات، واحتج بما روي في الحديث أن رجلا تفوت على أبيه في ماله.
المسألة الثانية : حقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضه «١» ولا يلائمه ومنه قولهم :
(تعلق متعلق متفاوت ونقيضه متناسب) «٢»، وأما ألفاظ المفسرين فقال السدي : من تفاوت أي من اختلاف

(١) في الكشاف للزمخشري (بعضا) ٤ / ١٣٤ ط. دار الفكر.
(٢) في الكشاف للزمخشري (خلق متفاوت وفي نقيضه متناصف) ٤ / ١٣٤ ط. دار الفكر.


الصفحة التالية
Icon