مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٨٢
عيب، يقول الناظر : لو كان كذا كان أحسن، وقال آخرون : التفاوت الفطور بدليل قوله بعد ذلك : فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ نظيره قوله : وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ [ق : ٦] قال القفال : ويحتمل أن يكون المعنى : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت في الدلالة على حكمة صانعها وأنه لم يخلقها عبثا.
المسألة الثالثة : الخطاب في قوله : ما تَرى إما للرسول أو لكل مخاطب وكذا القول في / قوله :
فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً.
المسألة الرابعة : قوله : طِباقاً صفة للسموات، وقوله بعد ذلك : ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ صفة أخرى للسموات والتقدير خلق سبع سموات طباقا ما ترى فيهن من تفاوت إلا أنه وضع مكان الضمير قوله : خَلْقِ الرَّحْمنِ تعظيما لخلقهن وتنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت، وهو أنه خلق الرحمن وأنه بباهر قدرته هو الذي يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب.
المسألة الخامسة : اعلم أن وجه الاستدلال بهذا على كمال علم اللّه تعالى هو أن الحس دل أن هذه السموات السبع، أجسام مخلوقة على وجه الإحكام والإتقان، وكل فاعل كان فعله محكما متقنا فإنه لا بد وأن يكون عالما، فدل هذه الدلالة على كونه تعالى عالما بالمعلومات فقوله : ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ إشارة إلى كونها محكمة متقنة.
المسألة السادسة : احتج الكعبي بهذه الآية على أن المعاصي ليست من خلق اللّه تعالى، قال : لأنه تعالى نفى التفاوت في خلقه، وليس المراد نفي التفاوت في الصغر والكبر والنقص والعيب فوجب حمله على نفي التفاوت في خلقه من حيث الحكمة، فيدل من هذا الوجه على أن أفعال العباد ليست من خلقه على ما فيها من التفاوت الذي بعضه جهل وبعضه كذب وبعضه سفه، الجواب : بل نحن نحمله على أنه لا تفوت فيها بالنسبة إليه، من حيث إن الكل يصح منه بحسب القدرة والإرادة والداعية، وإنه لا يقبح منه شيء أصلا، فلم كان حمل الآية على التفاوت من الوجه الذي ذكرتم أولى من حملها على نفي التفاوت من الوجه الذي ذكرناه، ثم إنه تعالى أكد بيان كونها محكمة متقنة، وقال : فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ والمعنى أنه لما قال : ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ كأنه قال بعده : ولعلك لا تحكم بمقتضى ذلك بالبصر الواحد، ولا تعتمد عليه بسبب أنه قد يقع الغلط في النظرة الواحدة، ولكن ارجع البصر واردد النظرة مرة أخرى، حتى تتيقن أنه ليس في خلق الرحمن من تفاوت ألبتة. والفطور جمع فطر، وهو الشق يقال : فطره فانفطر ومنه فطر ناب البعير، كما يقال : شق ومعناه شق اللحم فطلع، قال المفسرون : هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ أي من فروج وصدوع وشقوق، وفتوق، وخروق، كل هذا ألفاظهم. ثم قال تعالى :
[سورة الملك (٦٧) : آية ٤]
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤)
أمر بتكرير البصر في خلق الرحمن على سبيل التصفح والتتبع، هل يجد فيه عيبا وخللا، يعني أنك إذا كررت نظرك لم يرجع إليك بصرك بما طلبته من وجدان الخلل والعيب، بل يرجع إليك خاسئا أي مبعدا من قولك خسأت الكلب إذا باعدته، قال المبرد : الخاسئ المبعد المصغر، وقال ابن عباس : الخاسئ الذي لم ير ما يهوى، وأما الحسير فقال ابن عباس : هو الكليل، قال الليث :/ الحسر والحسور الإعياء، وذكر الواحدي


الصفحة التالية
Icon