مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٠٧
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل
يريد أنه وسم الفرزدق [و البعيث ] وجدع أنف الأخطل بالهجاء أي ألقى عليه عارا لا يزول، ولا شك أن هذه المبالغة العظيمة في مذمة الوليد بن المغيرة بقيت على وجه الدهر فكان ذلك كالموسم على الخرطوم، ومما يشهد لهذا الوجه قول من قال في زَنِيمٍ إنه يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها وثالثها : يروى عن النضر بن شميل أن الخرطوم هو الخمر وأنشد :
تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شراب الخراطيم
فعلى هذا معنى الآية : سنحده على شرب الخمر وهو تعسف، وقيل للخمر الخرطوم كما يقال لها السلافة، وهي ما سلف من عصير العنب، أو لأنها تطير في الخياشيم.
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ إلى ١٨]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨)
اعلم أنه تعالى لما قال : لأجل أن كان ذا مال وبنين، جحد وكفر وعصى وتمرد، وكان هذا استفهاما على سبيل الإنكار بين في هذه الآية أنه تعالى إنما أعطاه المال والبنين على سبيل الابتلاء والامتحان، وليصرفه إلى طاعة اللّه، وليواظب على شكر نعم اللّه، فإن لم يفعل ذلك فإنه تعالى يقطع عنه تلك النعم، ويصب عليه أنواع البلاء والآفات فقال : إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أي كلفنا هؤلاء أن يشكروا على النعم، كما كلفنا أصحاب الجنة ذات الثمار، أن يشكروا ويعطوا الفقراء حقوقهم،
روي أن واحدا من ثقيف وكان مسلما، كان يملك ضيعة فيها نخل وزرع بقرب صنعاء، وكان يجعل من كل ما فيها عند الحصاد نصيبا وافرا للفقراء، فلما مات ورثها منه بنوه، ثم قالوا : عيالنا كثير، والمال قليل، ولا يمكننا أن نعطي المساكين، مثل ما كان يفعل أبونا، فأحرق اللّه جنتهم،
وقيل : كانوا من بني إسرائيل، وقوله : إِذْ أَقْسَمُوا إذ حلفوا : لَيَصْرِمُنَّها ليقطعن ثمر نخيلهم مصبحين، أي في وقت الصباح، قال مقاتل : معناه أغدوا سرا إلى جنتكم، فاصرموها، ولا تخبروا المساكين، وكان أبوهم يخبر المساكين، فيجتمعون عند صرام جنتهم، يقال : قد صرم العذق عن النخلة، وأصرم النخل إذا حان وقت صرامه، وقوله : وَلا يَسْتَثْنُونَ يعني ولم يقولوا : إن شاء / اللّه، هذا قول جماعة المفسرين، يقال : حلف فلان يمينا ليس فيها ثنيا ولا ثنوى، ولا ثنية ولا مثنوية ولا استثناء وكله واحد، وأصل هذا كله من الثنى وهو الكف والرد، وذلك أن الحالف إذا قال : واللّه لأفعلن كذا إلا أن يشاء اللّه غيره، فقد رد انعقاد ذلك اليمين، واختلفوا في قوله : وَلا يَسْتَثْنُونَ فالأكثرون أنهم إنما لم يستثنوا بمشيئة اللّه تعالى لأنهم كانوا كالواثقين بأنهم يتمكنون من ذلك لا محالة، وقال آخرون : بل المراد أنهم يصرمون كل ذلك ولا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم إلى المساكين. ثم قال تعالى :
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٩ إلى ٢٠]
فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠)
طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ أي عذاب من ربك، والطائف لا يكون إلا ليلا أي طرقها طارق من عذاب اللّه، قال


الصفحة التالية
Icon