مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦١٣
المسألة الأولى : يوم منصوب بما ذا؟ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوب، بقوله : فَلْيَأْتُوا في قوله :
فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ [القلم : ٤١] وذلك أن ذلك اليوم يوم شديد، فكأنه تعالى قال :/ إن كانوا صادقين في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة، لتنفعهم ونشفع لهم وثانيها : أنه منصوب بإضمار اذكر وثالثها : أن يكون التقدير يوم يكشف عن ساق، كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ، وأن ثم من الكوائن مالا يوصف لعظمته.
المسألة الثانية : هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق، أهو يوم القيامة أو في الدنيا؟ فيه قولان : الأول :
وهو الذي عليه الجمهور، أنه يوم القيامة، ثم في تفسير الساق وجوه : الأول : أنه الشدة، وروي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية، فقال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر :
سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق
ثم قال : وهو كرب وشدة وروى مجاهد عنه قال : هو أشد ساعة في القيامة، وأنشد أهل اللغة أبياتا كثيرة [منها] :
فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم
ومنها : كشفت لكم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
وقال جرير :
ألا رب سام الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال آخر :
في سنة قد شمرت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وقال آخر :
قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، يشعر عن ساقه، فلا جرم يقال في موضع الشدة : كشف عن ساقه، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى، يستحيل أن يكون جسما، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز، واعلم أن صاحب «الكشاف» أورد هذا التأويل في معرض آخر، فقال : الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر، فمعنى قوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم، ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح :
يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول لولاه : لما وقفنا على هذه الأسرار وأقول : إما أن يدعى أنه صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، أو يقول : إنه لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة، والأول باطل بإجماع المسلمين، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت أبواب تأويلات الفلاسفة في أمر المعاد فإنهم يقولون في قوله : جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [البقرة : ٢٥] ليس هناك لا أنهار ولا أشجار، وإنما هو مثل للذة والسعادة، ويقولون في قوله : ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج : ٧٧] ليس هناك لا سجود ولا ركوع وإنما هو مثل للتعظيم، ومعلوم أن ذلك يفضي إلى رفع الشرائع وفساد الدين، وأما إن قال : بأنه لا يصار إلى هذا التأويل إلا بعد قيام الدلالة على أنه لا يجوز حمله على / ظاهره، فهذا هو الذي لم يزل كل أحد من المتكلمين [إلا] قال به وعول عليه، فأين هذه الدقائق، التي استبد هو بمعرفتها والاطلاع


الصفحة التالية
Icon