مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٩٣
فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالنجوم مع السحاب
وثالثها : أن تأنيث السماء ليس بحقيقي، وما كان كذلك جاز تذكيره.
قال الشاعر :
والعين بالإثمد الخيري مكحول
وقال الأعشى :
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
ورابعها : أن يكون السماء ذات انفطار فيكون من باب الجراد المنتشر «١»، والشجر الأخضر «٢»، وأعجاز نخل منقعر «٣»، وكقولهم امرأة مرضع، أي ذات رضاع.
السؤال الثاني : ما معنى : مُنْفَطِرٌ بِهِ؟ الجواب من وجوه : أحدها : قال الفراء : المعنى منفطر فيه وثانيها : أن الباء في (به) مثلها في قولك فطرت العود بالقدوم فانفطر به، يعني أنها تنفطر لشدة ذلك اليوم وهو له، كما ينفطر الشيء بما ينفطر به وثالثها : يجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالا يؤدي إلى انفطارها لعظم تلك الواقعة عليها وخشيتها منها كقوله : ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف : ١٨٧].
أما قوله : كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا فاعلم أن الضمير في قوله : وَعْدُهُ يحتمل أن يكون عائدا إلى المفعول وأن يكون عائدا إلى الفاعل، أما الأول : فأن يكون المعنى وعد ذلك اليوم مفعول أي الوعد المضاف إلى ذلك اليوم واجب الوقوع، لأن حكمة اللّه تعالى وعلمه يقتضيان إيقاعه، وأما الثاني : فأن يكون المعنى وعد اللّه واقع لا محالة لأنه تعالى منزه عن الكذب وهاهنا وإن لم يجر ذكر اللّه تعالى ولكنه حسن عود الضمير إليه لكونه معلوما، واعلم أنه تعالى بدأ في أول السورة بشرح أحوال السعداء، ومعلوم أن أحوالهم قسمان أحدهما : ما يتعلق بالدين والطاعة للمولى فقدم ذلك والثاني : ما يتعلق بالمعاملة مع الخلق وبين ذلك بقوله : وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا [المزمل : ١٠] وأما الأشقياء فقد بدأ بتهديدهم على سبيل الإجمال، وهو قوله تعالى : وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ [المزمل : ١١] ثم ذكره بعده أنواع عذاب الآخرة ثم ذكر بعده عذاب الدنيا وهو الأخذ الوبيل في الدنيا، ثم وصف بعده شدة يوم القيامة، فعند هذا تم البيان بالكلية فلا جرم ختم ذلك الكلام بقوله :
[سورة المزمل (٧٣) : آية ١٩]
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٩)
أي هذه الآيات تذكرات مشتملة على أنواع الهداية والإرشاد فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا واتخاذ السبيل عبارة عن الاشتغال بالطاعة والاحتراز عن المعصية.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ٢٠]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠)

(١) يشير إلى قوله تعالى : كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [القمر : ٧].
(٢) يشير إلى قوله تعالى : الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ [يس : ٨٠].
(٣) يشير إلى قوله تعالى : كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر : ٢٠].


الصفحة التالية
Icon