مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٦٩٤
قوله تعالى : إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : المراد من قوله : أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ أقل منهما، وإنما استعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز وإذا بعدت كثر ذلك.
المسألة الثانية : قرئ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بالنصب والمعنى أنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف [و الثلث ] «١» وقرئ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ بالجر أي تقوم أقل من الثلثين والنصف والثلث، لكنا بينا في تفسير قوله :
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل : ٢] أنه لا يلزم من هذا أن يقال : إنه عليه الصلاة والسلام كان تاركا للواجب وقوله تعالى : وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وهم أصحابك يقومون من الليل هذا المقدار المذكور.
قوله تعالى : وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ يعني أن العالم بمقادير أجزاء الليل والنهار ليس إلا اللّه تعالى.
قوله تعالى : عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فيه مسألتان :
المسألة الأولى : الضمير في أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ عائد إلى مصدر مقدر أي علم أنه لا يمكنكم إحصاء مقدار كل واحد من أجزاء الليل والنهار على الحقيقة، ولا يمكنكم أيضا تحصيل تلك المقادير على سبيل الطعن والاحتياط إلا مع المشقة التامة، قال مقاتل : كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من قيام ما فرض عليه.
المسألة الثانية : احتج بعضهم على تكليف ما لا يطاق بأنه تعالى قال : لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تطيقوه، ثم إنه كان قد كلفهم به، ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد صعوبته لا أنهم لا يقدرون عليه كقول القائل : ما أطيق أن أنظر إلى فلان إذا استثقل النظر إليه.
وقوله تعالى : فَتابَ عَلَيْكُمْ هو عبارة عن الترخيص في ترك القيام المقدر كقوله تعالى : فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة : ١٨٧] والمعنى أنه رفع التبعة عنكم في ترك هذا العمل كما رفع التبعة عن التائب.
قوله تعالى : فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وفيه قولان : الأول : أن المراد من هذه القراءة / الصلاة لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة، فأطلق اسم الجزء على الكل، أي فصلوا ما تيسر عليكم، ثم هاهنا قولان : الأول :
قال الحسن : يعني في صلاة المغرب والعشاء، وقال آخرون : بل نسخ وجوب ذلك التهجد واكتفى بما تيسر منه، ثم نسخ ذلك أيضا بالصلوات الخمس القول الثاني : أن المراد من قوله : فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قراءة القرآن بعينها والغرض منه دراسة القرآن ليحصل الأمن من النسيان قيل : يقرأ مائة آية، وقيل : من قرأ مائة آية كتب من القانتين، وقيل : خمسين آية ومنهم من قال : بل السورة القصيرة كافية، لأن إسقاط التهجد إنما كان

(١) زيادة من الكشاف ٤ / ١٧٨ ط. دار الفكر.


الصفحة التالية
Icon