مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٠٧
قريش تجمع لك مالا ليكون ذلك عوضا مما تقدر أن تأخذ من أصحاب محمد، فقال : واللّه ما يشبعون فكيف أقدر أن آخذ منهم مالا، ولكني تفكرت في أمره كثيرا فلم أجد شيئا يليق به إلا أنه ساحر، فأقول استعظامه للقرآن واعترافه بأنه ليس من كلام الجن والإنس يدل على أنه كان في ادعاء السحر معاندا لأن السحر يتعلق بالجن والثالث : أنه كان يعلم أن أمر السحر مبني على الكفر باللّه، والأفعال المنكرة، وكان من الظاهر أن محمدا لا يدعو إلا إلى اللّه، فكيف يليق به السحر؟ فثبت بمجموع هذه الوجوه أنه إنما عبس وبسر لأنه كان يعلم أن الذي يقوله كذب وبهتان.
المسألة الثانية : قال الليث : عبس يعبس فهو عابس إذا قطب ما بين عينيه، فإن أبدى عن أسنانه في عبوسه قيل : كلح، فإن اهتم لذلك وفكر فيه قيل : بسر، فإن غضب مع ذلك قيل : بسل.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٢٣ إلى ٢٤]
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)
أدبر عن سائر الناس إلى أهله واستكبر أي تعظم عن الإيمان فقال : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ وإنما ذكره بفاء التعقيب ليعلم أنه لما ولى واستكبر ذكر هذه الشبهة، وفي قوله : يُؤْثَرُ وجهان الأول : أنه من قولهم أثرت الحديث آثره أثرا إذا حدثت به عن قوم في آثارهم، أي بعد ما ماتوا هذا هو الأصل، ثم صار بمعنى / الرواية عمن كان والثاني : يؤثر على جميع السحر، وعلى هذا يكون هو من الإيثار. ثم قال :
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢٥]
إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)
والمعنى أن هذا قول البشر، ينسب ذلك إلى أنه ملتقط من كلام غيره، ولو كان الأمر كما قال لتمكنوا من معارضته إذ طريقتهم في معرفة اللغة متقاربة.
واعلم أن هذا الكلام يدل على أن الوليد إنما كان يقول هذا الكلام عنادا منه، لأنه روي عنه أنه لما سمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (حم السجدة) وخرج من عند الرسول عليه السلام قال : سمعت من محمد كلاما ليس من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وأنه يعلو ولا يعلى عليه، فلما أقر بذلك في أول الأمر علمنا أن الذي قاله هاهنا من أنه قول البشر، إنما ذكره على سبيل العناد والتمرد لا على سبيل الاعتقاد. ثم قال :
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢٦]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦)
قال ابن عباس : سَقَرَ اسم للطبقة السادسة من جهنم، ولذلك لا ينصرف للتعريف والتأنيث. ثم قال :
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢٧]
وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧)
الغرض التهويل. ثم قال :


الصفحة التالية
Icon